للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ سَيِّدُهُ، وَلِلْعَبْدِ مَالٌ: أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِرَهْنٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ) .

ــ

[المنتقى]

دَنَانِيرَ كُلَّهَا أَوْ قَمْحًا كُلَّهُ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبَا بِهِ كِتَابًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَضِيَ دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ إذَا جَمَعَهُمَا أَوْ الرَّهْنَ فَقَدْ جَعَلَهُمَا مَعَ اتِّفَاقِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ فَلَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ انْتَفَتْ الشَّرِكَةُ وَتَبَايَنَتْ الْحُقُوقُ فَلَمْ يُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ قَبْضِ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَضْمَنَا مَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ حَقٍّ، وَلَا رَهْنٍ وَكَتَبَا حَقَّهُمَا مُفَرَّقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ ذِكْرِ الْحَقِّ يُمَيِّزُ الْحَقَّ كَمَا يُمَيِّزُهُ إفْرَادُ نَفْسِ الْحَقِّ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا إذَا ارْتَهَنَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْتَهِنَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ الرَّهْنِ ثُمَّ يَرْهَنُ رَجُلًا آخَرُ بَاقِيَهُ فَإِنْ كَانَ أَجَلُ الدَّيْنَيْنِ وَاحِدًا فَحُكْمُهُ مَا رَهَنَا جَمِيعَهُ مَعًا، وَإِنْ كَانَ أَجَلُهُمَا مُخْتَلِفًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي الرَّجُلَيْنِ يُنْظِرُ أَحَدُهُمَا، وَيَتَعَجَّلُ الثَّانِي.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا رَهَنَ رَجُلٌ رَهْنًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدَانَ مِنْ آخَرَ وَرَهَنَهُ فَضْلَةَ ذَلِكَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ لِي أَشْهَبُ: لَهُ ذَلِكَ رَضِيَ الْأَوَّلُ أَوْ سَخِطَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إذْ هُوَ الْمَبْدَأُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ رِضَا الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْزُ لِلثَّانِي، وَإِذَا لَمْ يَرْضَ لَمْ يَتِمَّ، وَلَا تَكُونُ الْفَضْلَةُ لَهُ رَهْنًا بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَهَنَ رَهْنًا وَجَعَلَهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ رَهَنَ فَضْلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَحُوزَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا حَازَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا لِلثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوَّلُ فَيَحُوزُ، وَيَبْدَأُ الْأَوَّلُ، وَيَكُونُ لِلثَّانِي مَا فَضَلَ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: إذَا جَعَلَ الرَّهْنَ بِيَدِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ جَازَ أَنْ يَرْهَنَ فَضْلَهُ الْآخَرُ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ إذَا عَلِمَ مَنْ هُوَ عَلَى يَدِهِ لِتَتِمَّ الْحِيَازَةُ لَهُمَا وَقِيلَ عَنْ مَالِكٍ: حَتَّى يَرْضَى الْأَوَّلُ وَالْقِيَاسُ مَا قُلْتُ لَك.

وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ رِوَايَةً أُخْرَى فِي رَهْنِ فَضْلَةِ الرَّهْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا حَلَّ أَجَلُ دَيْنِ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ أَنَّ دَيْنَ الثَّانِي يَحِلُّ قَبْلَ دَيْنِهِ بِيعَ الرَّهْنُ، وَيُعْطَى الْأَوَّلُ حَقَّهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَيُعْطَى الثَّانِي مَا فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ ثُمَّ إنْ بِيعَ بِمِثْلِ حَقِّهِ أَوْ بِخِلَافِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّمَا تَفْسِيرُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الرَّهْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ يَرْهَنُ فَضْلَتَهُ فَيَحِلُّ حَقُّ الثَّانِي فَيُبَاعُ لَهُ فَإِنَّهُ إذَا وَقَفَ الْأَوَّلُ مِقْدَارَ حَقِّهِ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ مَا يُوقَفُ لَهُ حَتَّى يُنْقِصَ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ حَقِّهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَكَأَنَّهُ يَرَى فِيمَا رَأَيْتُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إنَّمَا يُبَاعُ بِخِلَافِ حَقِّ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يُبَاعَ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بِيعَ بِخِلَافِهِ وَقَفَ الرَّهْنُ كُلُّهُ، وَلَمْ يَقْضِ الثَّانِي شَيْئًا فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيْعِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بِيعَ بِمِثْلِ مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَإِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَبِيعُهُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلرَّاهِنِ، وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يَرْهَنُهُ مَا يَمْلِكُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ يُرِيدُ فَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْعَبْدِ مَالُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ يَوْمَ اشْتِرَاطِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَوْ نَمَاءُ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نَمَاءَ كُلِّ مَالٍ تَبَعٌ لِأَصْلِهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِذَلِكَ تَبِعَهُ فِي الزَّكَاةِ، وَأَمَّا مَا أَفَادَ بَعْدَ الِارْتِهَانِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>