للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى وَجْهِ الزِّرَاعَةِ وَالْحَرْثِ وَالْبُنْيَانِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَوْتُ الْأَرْضِ بِمَعْنَى عَدَمِ سَقْيِهَا وَتَعَذُّرِ نَبَاتِهَا وَحَيَاتُهَا سَقْيُهَا وَظُهُورُ نَبَاتِهَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: ٥٠] .

وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ وَمَا بَعُدَ مِنْهُ وَلَمْ يُمْلَكْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوَاتٌ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِيمَنْ أَحْيَا مَا بَعُدَ وَقَرُبَ فَخَصَّ مِنْهُ مَنْ أَحْيَا مَا قَرُبَ بِدَلِيلٍ ظَهَرَ إلَيْهِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا بَعُدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَفْظَ الْأَرْضِ لَمَّا وَرَدَ مُنْكَرًا لَمْ يَقْتَضِ الْعُمُومَ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَا بَعُدَ دُونَ مَا قَرُبَ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا.

وَقَالَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَا رَوَى عَنْهُ سَحْنُونٌ مِنْ قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ مَا يَحْتَمِلُهُ قَوْلُ سَحْنُونٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْيَاءُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ الْإِمَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِقْطَاعِ.

وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لَا يُحْيِيه إلَّا بِقَطِيعَةٍ وَنَحْوِهَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا عَمُرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِمَارَةً وُرِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ» يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ مِلْكَهُ لَهُ، وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ:.

الْأَوَّلُ: فِي صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.

وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْمُحْيِي لَهَا وَحُكْمِهِ.

وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي صِفَةِ الْإِحْيَاءِ.

وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي حُكْمِ مَا أُحْيِيَ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ مَاتَ.

وَالْبَابُ الْخَامِسُ: فِي حُكْمِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ وَالْإِبْرَازِ فِي الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ) .

قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْأَرْضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عَنْوَةٍ، أَوْ صُلْحٍ، أَوْ مِمَّا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَأَمَّا الْعَنْوَةُ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ مَوَاتٍ وَشِعَارٍ لَمْ تَعْتَمِلْ وَلَا جَرَى فِيهَا مِلْكٌ لِأَحَدٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا كَذَلِكَ أَرْضُ الصُّلْحِ مَا كَانَ مِنْهَا مَوَاتًا لَمْ يُعْمَلْ وَلَا حِيزَ بِعِمَارَةٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا، وَأَمَّا مَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَمَلَكُوهَا فَإِنَّهَا عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَهِيَ تُمْلَكُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مَحْدُودَةً وَلَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ مَخْصُوصٌ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةٍ وَلَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمَرَافِقِ وَالْمَنَافِعِ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْأَعْرَابِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا لِمَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِيمَا ذَكَرَهُ وَاحِدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَجْهٍ مُلِكَتْ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّمَا يُمْلَكُ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمِلْكِ لَهُ إمَّا بِمِلْكِ الرِّقَابِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ الْعُمُومِ، أَوْ مِلْكِ الْمَنَافِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْعَامِّ وَبِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْهَا يَتَعَلَّقُ الْمِلْكُ وَالْحُقُوقُ دُونَ الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ فَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِأَحَدٍ فَهِيَ لَهُ بِالْإِحْيَاءِ دُونَ غَيْرِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَا كَانَ مِنْ بِئْرِ مَاشِيَةٍ فَلَا يَغْرِسُ أَحَدٌ عَلَيْهِ غَرْسًا وَلَا يُحْيِي عَلَيْهِ حَقًّا قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ مِمَّا يَمْلِكُ أَهْلُهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَمَا مَلَكَ قَوْمٌ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى وَجْهِ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ مِنْهُ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمَرَاعِي الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا.

(مَسْأَلَةُ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَوَاتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَبْعُدُ مِنْ الْعُمْرَانِ وَضَرْبٌ يَقْرُبُ فَأَمَّا مَا بَعُدَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>