للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْعُمْرَانِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُحْيِيه بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا مِنْ الْأَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.

وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ أَرْضٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ الْمُحْيِي فَلَمْ يَحْتَجْ فِي إحْيَائِهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ مَلَكهَا الْمُحْيِي.

(فَرْعٌ) فَإِنْ عَمَّرَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ مَا عَلِمْت اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بَعِيدَةً مِنْ الْعِمَارَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ إنْ عَمَّرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَهُوَ لَهُ.

وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَقْتَطِعُ الْمَوَاتَ الْبَعِيدَ فَيُحْيِيه بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَإِنْ رَأَى أَنْ يُقِرَّهُ أَقَرَّهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخْرِجَهُ أَخْرَجَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يُحْيِيهَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَشْهَبَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُحْيِيهَا مَنْ شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ سَحْنُونٌ وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَاَلَّذِي يُحْيِي بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ قَدْ يَظْلِمُ فِي إحْيَائِهِ وَيَسْتَضِرُّ النَّاسُ بِذَلِكَ لِتَضْيِيقِهِ عَلَيْهِمْ فِي مَسَارِحِهِمْ وَعِمَارَتِهِمْ وَمَوَاضِعِ مَوَاشِيهِمْ وَمَرْعَى أَغْنَامِهِمْ فَاحْتَاجَ إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ.

وَقَدْ أَقْطَعَ عُمَرُ الْعَقِيقَ وَهُوَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِقَوْلِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ» وَذَلِكَ عَامٌّ فِيمَا قَرُبَ، أَوْ بَعُدَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لَا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُحْيِي إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَأَحْيَا رَجُلٌ أَرْضًا قَرِيبَةً مِنْ الْعُمْرَانِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ الْإِمَامُ فَإِنْ رَأَى إبْقَاءَهُ لَهُ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُزِيلَهُ وَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ، أَوْ يَبِيعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَمْضَيْته لَهُ وَلَمْ يُنْقَضْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ عَمَّرَهُ لَا يَكُونُ لَهُ بِغَيْرِ قَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ.

وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يُحْيِيهِ أَحَدٌ إلَّا بِقَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ قَالَ مَا بَعُدَ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا يُعَمَّرُ إلَّا بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَمَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ قَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْإِقْطَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ إلَّا إذَا أَبَاحَهُ لَهُ لِكَوْنِهِ أَصْلًا لَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَعَدَّى وَعَمَّرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِكَوْنِ النَّظَرِ فِيهِ لِلْإِمَامِ بَاقِيًا وَلَا يُخْرِجُهُ بِتَعَدِّيهِ فِيهِ وَسَبْقِهِ إلَيْهِ عَنْ نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ يَقْتَضِي مَذْهَبَ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُشَاوَرَةُ الْإِمَامِ وَاسْتِئْذَانُهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعُمْرَانِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُعْطِيه قِيمَةَ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا أَوْ يُعْطِيه إيَّاهُ بَعْدَ أَمْرِهِ بِقَلْعِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ فِيهِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِيه قِيمَةَ نَقْضِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَصْرِفَهُ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِي قِيمَةَ النَّقْضِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُعْطِيه ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ الْمَالِكِ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ فِي أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ لَا مَضَرَّةَ فِي إحْيَائِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُحْيِي لَا يَسْتَضِرُّ أَهْلُ الْعِمَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>