للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

بَيْعِ الْكَلَإِ الْمُبَاحِ.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلنَّاسِ مَا فَضَلَ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ لِأَشْهَبَ بِأَنَّ مَا يَشْتَرِيه مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِيهِ حَوَائِجَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَعَلَى ذَلِكَ مُنِعَ مِنْ أَنْ يُورَثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ أَشْهَبُ لَجَازَ أَنْ تُورَثَ وَتُوهَبَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ ذَلِكَ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا تَنْصَرِفُ الْكَرَاهِيَةُ إلَى أَنْ يَحْفِرَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ لِفَضِيلَةٍ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ مَنْعِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَى مَنْعِ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ وَمَنْعِ هِبَتِهِ.

١ -

(فَرْعٌ) وَمَنْ يَبْدَأُ بِالشُّرْبِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ سُنَّةٌ مِنْ تَقْدِيمِ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ لَوْ قُدِّمَ عَلَى قَوْمٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ حَمَلُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا اسْتَهَمُوا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ لِسَنَةٍ اسْتَمَرَّتْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ أُسْهِمَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ السَّبِيلُ إلَى تَقْدِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ بِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَاجِلُ حَاجَتُهُمْ مِنْ الْمَاءِ لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَهَى أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ، وَأَمَّا قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَنْعٌ فَكَانَ لَهُمْ بِحَقِّ الْيَدِ وَاجِبًا، وَأَمَّا مَا فَضَلَ مِنْهُ فَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَقَدْ كَانَ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ احْتَفَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَشْرَبُ بِهَذِهِ الْآبَارِ الْمُحْدَثَةِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّ بِئْرٍ كَانَتْ مِنْ آبَارِ الصَّدَقَةِ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ السُّقْيَا أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ مَنَعَهُمْ أَهْلُ الْمَاءِ بَعْدَ رَيِّهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ دِيَةُ قُرَاهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ مَنَعُوهُمْ حَتَّى مَاتَ الْمُسَافِرُونَ عَطَشًا كَانَتْ لَهُمْ دِيَاتُهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَاءِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ مِنْ الْإِمَامِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَسْقِيَ دَوَابَّهُ مِنْ فَضْلِ مَاءِ الْآبَارِ وَالْمَوَاجِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ، وَقَدْ اضْطَرَّتْ دَوَابُّهُمْ إلَيْهِ وَالْمَسَافَةُ إلَى مَاءٍ آخَرَ بَعِيدَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ أُسْوَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْمِيَاهِ غَوْثٌ أَقْرَبُ مِنْ غَوْثِ السَّفَرِ فَيَكُونُ السَّفَرُ أَوْلَى بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْآبَارِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ابْنُ السَّبِيلِ أَوْلَى مَنْ شَرِبَ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ لِاضْطِرَارِهِ إلَى ذَلِكَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مِثْلُ تِلْكَ الضَّرُورَةِ لِقُرْبِ غَوْثِهِمْ وَمَحَارِمِ بِئْرِهِمْ وَهُمْ مُقِيمُونَ وَالسَّفْرُ رَاحِلُونَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي لِأَهْلِهِ بَيْعُهُ كَالْبِئْرِ يَحْتَفِرُهَا الرَّجُلُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ لِيَبِيعَ مَاءَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْ مَائِهَا إلَّا بِالثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ السَّبِيلِ لَا ثَمَنَ مَعَهُ، وَإِنْ مُنِعَ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ الْمَاءَ فَلَا يُمْنَعُ فَإِنْ مُنِعَ جَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ فِي الْمِيَاهِ مِنْ الْحِيتَانِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِرْكَةِ وَالْغَدْرِ وَالْبُحَيْرَةِ فِيهَا الْحِيتَانُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَبِيعَهَا أَهْلُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعُوا تَصَيُّدَهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا كَانَ فِي مِلْكِهِمْ، أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِمْ كَالْكَلَأِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ، أَوْ غَدِيرٌ فِيهَا سَمَكٌ فَإِنْ كَانَ طَرَحَ فِيهَا سَمَكًا فَتَوَالَدَتْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَ مَعَ الطِّينِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَصِيدُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِ الصَّيَّادُونَ.

وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ سَحْنُونٌ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَرَاعِيَ أَرْضِهِ وَحِيتَانَ غَدِيرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ وَحَوْزِهِ وَذَلِكَ سَوَاءٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ، وَفِي حَوْزِهِ فَلَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>