للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ يَنْزِلُهَا لِلرَّعْيِ لَا لِلْعِمَارَةِ فَهُمْ وَالنَّاسُ فِي الرَّعْيِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ يَبْدَئُونَ بِمَائِهِمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ هِيَ مَا حَفَرَهُ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عَلَى مَا عَهِدَهُ مِمَّا يَحْفِرُهُ الرَّجُلُ لِمَاشِيَتِهِ فِي الْبَرَارِي وَفَيَافِي الْقِفَارِ فَهَذِهِ الْبِئْرُ إذَا حُفِرَتْ فَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُحْفَرَ لِشُرْبِ مَاشِيَتِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهَا وَيُسَيِّحَهُ لِلنَّاسِ، فَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ مَائِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ مَا حُفِرَ مِنْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنْ حُفِرَتْ فِي قُرْبٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ قُرْبَ الْمَنَازِلِ إذَا كَانَ إنَّمَا اُحْتُفِرَ لِلصَّدَقَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبَيْعَ أَصْلِهَا وَأَهْلُهَا أَحَقُّ بِمَائِهَا، فَإِذَا فَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ فَالنَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ قَالُوا، وَأَمَّا مَنْ احْتَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ لِبَيْعِ مَائِهَا، أَوْ لِسَقْيِ مَاشِيَتِهِ وَلَمْ يَحْتَفِرْهَا لِلصَّدَقَةِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا احْتَفَرَهُ فِي أَرْضِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى الْمِلْكِ وَإِبَاحَةِ الْبَيْعِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهَا لِلصَّدَقَةِ وَمَا اُحْتُفِرَ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ لِلْمَاشِيَةِ، أَوْ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَلَمْ يَحْفِرْهَا لِإِحْيَاءِ زَرْعٍ، أَوْ غَرْسٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَفَرَهَا لِيَكُونَ الْمُقَدَّمُ فِي مَنْفَعَتِهَا وَلِلنَّاسِ فَضْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْفِرُهَا بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ مَاؤُهَا وَلَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ إلَّا بِبَذْلِهَا فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ عَمَلُهَا دُونَ شَرْطٍ إلَى الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهَا وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ وَبِهَذَا الْحُكْمُ يُحْكَمُ لَهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ بَيَّنَ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّمْلِيكَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ وَبِهَذَا تَتَعَلَّقُ الْكَرَاهِيَةُ عِنْدِي وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَإِنْ كَانَ بِالْبُعْدِ وَحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ وَحَيْثُ يَخْشَى الِاسْتِضْرَارَ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا حُكْمُ الْآبَارِ فَأَمَّا فِي الْمَوَاجِلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَا عُمِلَ مِنْهَا فِي الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي كَمَوَاجِلِ طَرِيقِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا كَالْآبَارِ الَّتِي تُحْتَفَرُ لِلْمَاشِيَةِ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي جِبَابِ الْبَادِيَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَاشِيَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ مَائِهَا لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ، قِيلَ لَهُ: فَالْجِبَابُ الَّتِي تُجْعَلُ لِمَاءِ السَّمَاءِ قَالَ ذَلِكَ أَبْعَدُ.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَنْ حَفَرَ جُبًّا فَلَهُ مَنْعُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَلَيْسَ كَالْبِئْرِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى رَعْيِ الْكَلَأِ بِالْمَاءِ فَأَشْبَهَ الْبِئْرَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَوَاجِلَ لَيْسَتْ مِمَّا يُتَّخَذُ غَالِبًا لِلْمَوَاشِي لِمَا فِيهَا مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْمُؤَنِ وَغَالِبُ عَمَلِهَا لِلتَّمْلِيكِ إلَّا مَنْ أَعْلَنَ بِالصَّدَقَةِ إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا تُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَلَا يُبَاعُ مَاؤُهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُبَاعُ، وَإِنْ احْتَاجَ وَلَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يُورَثُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَرَثَةُ مُحْتَفِرِهَا أَحَقَّ بِمَائِهَا.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ: " إنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَصَاحِبُهَا الَّذِي احْتَفَرَهَا أَوْ وَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِحَاجَتِهِمْ مِنْ مَائِهَا " قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: لَا تَقَعُ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الْمَوَارِيثُ بِمَعْنَى الْمِلْكِ وَلَا حَظَّ فِيهِ لِزَوْجِهِ وَلَا زَوْجٍ مِنْ بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، قَالَ: وَمَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ عَنْ حَظِّهِ مِنْ الشُّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ حَظَّهُ أَحَدًا وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِئْرِ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَنْ غَابَ وَأَوْصَى بِثُلُثِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ الْبِئْرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَجْهٌ مِنْ الْعَطِيَّةِ كَالْهِبَةِ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فَضْلُهَا لِغَيْرِهِ فَقَدْ اشْتَرَى مِنْ مَائِهَا مَا يَرْوِيه وَذَلِكَ مَجْهُولٌ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَظَاهِرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ مَوَاجِلِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَهِيَ كَالْآبَارِ الَّتِي تُحْفَرُ لِلْمَاشِيَةِ، وَقَالَ فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا أَرَى بَيْعَ ذَلِكَ حَرَامًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ:.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا بِئْرُ الْمَاشِيَةِ فَمَنْعُ فَضْلِ مَائِهَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>