. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المنتقى]
ثُمَّ حَضَرَ الْغَرِيمُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَزِمَهُ الْمَالُ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْغُرْمِ إنَّ الْغَرِيمَ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَارْتَجَعَ مَالَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ بِمَوْتِ الْغَرِيمِ يَبْرَأُ مِنْ الْحَمَالَةِ فَإِذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْحَمِيلِ بِالْمَالِ أَنَّ الطَّالِبَ إذَا حَكَمَ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ بِحَقِّهِ وَبِمَا عَجَزَ عَنْهُ الْغَرِيمُ ثُمَّ أَيْسَرَ الْغَرِيمُ رَجَعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.
١ -
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ حَمَالَةِ الْوَجْهِ وَهِيَ الْحَمَالَةُ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنَّ شَرْطَ حَمَالَةِ الْوَجْهِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ، أَوْ يَقُولُ لَا أَضْمَنُ لَك إلَّا الْوَجْهَ فَهَذَا لَا يَضْمَنُ إلَّا الْوَجْهَ غَابَ الْغَرِيمُ، أَوْ حَضَرَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ أَفْلَسَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا إحْضَارُهُ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْحَمَالَةِ يَضْمَنُ الْإِحْضَارَ خَاصَّةً وَأَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ طَلَبِهِ وَيُؤْمِنَّهُ مِنْ مَغِيبِهِ فَإِذَا قَيَّدَ الْحَمَالَةَ بِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ حَمَالَتُهُ بِالْمَالِ لَمْ يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا الْتَزَمَ مِنْ الْإِحْضَارِ وَجَازَتْ هَذِهِ الْحَمَالَةُ لِتَعَلُّقِهَا فِي الْجُمْلَةِ بِالْمَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ وَلَوْلَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا طَلَبُ الذِّمَّةِ لَمَا جَازَتْ هَذِهِ الْحَمَالَةُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهَا كَمَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ دَابَّةً مُعَيَّنَةً يُحْضِرُهَا، أَوْ عَبْدًا يُحْضِرُهُ لَهُ، أَوْ ضَمِنَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ، أَوْ تَعْزِيرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالذِّمَّةِ وَلَا مَالِ إنْ طَلَبَهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ أَحْضَرَ الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ عَلَى شَرْطِ الْغُرْمِ بَرِئَ، وَإِنْ جَاءَ الْأَجَلُ فَلَمْ يُحْضِرْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إحْضَارُهُ لَا يُكَلَّفُ غَيْرُهُ مَالٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَرَوَى حُسَيْنُ بْنِ عَاصِمٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَجَّلَ فِي طَلَبِهِ آجَالًا كَثِيرَةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ طَلَبِهِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ فَعَلَى مَا شَرَطَ.
(فَرْعٌ) وَإِنْ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ هُوَ بِمَوْضِعِ كَذَا فَاخْرُجْ إلَيْهِ فَقَدْ رَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِم إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ إلَيْهِ أُمِرَ بِذَلِكَ، وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهُ لَمْ يُكَلِّفْهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَلَا الْغُرْمُ عَنْهُ وَإِنْ عَرَفَ مَكَانَهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ فِيمَا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ عَلَى مَسِيرَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ أَسْفَارِ النَّاسِ فَيَخْرُجُ، أَوْ يُرْسِلُ إلَيْهِ، أَوْ يُغَرَّمُ إلَّا فِي الْبَعِيدِ الْمُتَفَاحِشِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُرَاعَاةُ حَالِ الْحَمِيلِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْفَارِ أَوْ يَضْعُفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى مَا يُطِيقُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مُرَاعَاةُ مَا يَتَكَلَّفُ مِنْ الْأَسْفَارِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْمَسِيرِ إلَيْهِ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ.
(فَرْعٌ) وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَلْقَاهُ فَيَتْرُكَهُ، أَوْ يُغَيِّبَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَرَوَى حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ،.
وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا لَقِيَهُ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إحْضَارَهُ دُونَ إحْضَارِ الْمَالِ، وَإِنْ غَابَ عَنْهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ، وَإِنْ تَرَكَ إحْضَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَتْلَفَ عَلَى الرَّجُلِ مَالَهُ حِينَ تَرَكَهُ الْحَمِيلُ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ إحْضَارِهِ ثُمَّ قَصَدَ إلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَسْتُرُهُ فِي بَيْتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ.
١ -
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْحَمَالَةُ بِالْمَالِ فَمَعْنَاهَا: الْتِزَامُ إيصَالِ الْمَالِ إلَى مَنْ تَحَمَّلَ لَهُ بِهِ وَلَا تَبْرَأُ بِذَلِكَ ذِمَّةُ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ يُبَرِّئُ ذِمَّةَ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ فَلَمْ يَبْرَأْ بِهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ كَالرَّهْنِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي الْحَمَالَةِ بِالْمَالِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلِ فِيمَا تَصِحّ بِهِ الْحَمَالَةُ وَتَمْيِيزُهَا مِمَّا لَا تَصِحُّ بِهِ الْحَمَالَةُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ تَصِحُّ الْحَمَالَةُ عَنْهُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ عَنْهُ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا لِلطَّالِبِ مِنْ مُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ وَالْبَابُ الْخَامِسِ فِي رِفْقِ الطَّالِبِ بِالْحَمِيلِ، أَوْ الْغَرِيمِ وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي قَضَاءِ الْحَمِيلِ عَنْ الْغَرِيمِ.