للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

بَتَلَ رَقَبَتَهُ لِلْآخَرِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ يَدَ السَّاكِنِ لَيْسَتْ بِيَدِ الْمُعْطِي فَجَازَ أَنْ يَجُوزَ لِلْمُعْطَى كَمَا لَوْ كَانَ الْإِسْكَانُ وَالْعَطِيَّةُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّاكِنَ لَمَّا انْفَرَدَتْ عَطِيَّتُهُ وَتَقَدَّمَتْ وَحَازَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا لِغَيْرِهِ كَالْمُعْطِي.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ وَهَبَ مَا عِنْدَ الْمُعْطَى بِعَارِيَّةٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ إجَارَةٍ فَقَوْلُ الْمُعْطَى قَبِلْت حِيَازَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِبَلَدِ غَيْرِ الْمُعْطَى بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ذَلِكَ نَافِذٌ إذَا شَهِدَ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِيَدِ رَجُلٍ يُحْسِنُ يُرِيدُ حَيَاتَهُ، أَوْ عَارِيَّةً فَيَجُوزُ لِلْمُعْطَى وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي، وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ حَوْزًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَهُ مَعَ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ لِلْمُعْطَى كَالْمُعَارِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعْطَى يَأْخُذُ عِوَضَ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَتْ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدَهُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ وَهَبَهُ مَا بِيَدِ غَاصِبِهِ لَمْ تَكُنْ حِيَازَةُ الْغَاصِبِ لَهُ حِيَازَةً رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ.

وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ قَبْضٌ وَحِيَازَةٌ لِلْمُعْطَى قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَيْهِ يَجُوزُ بِالْإِشْهَادِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ يَدٌ مَانِعَةٌ لِلْمُعْطَى فَلَمْ تَصِحَّ بِهَا الْحِيَازَةُ كَيَدِ الْمُعْطِي، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدٍ لِلْمُعْطِي وَإِذَا اسْتَوَتْ يَدُ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى صَحَّتْ حِيَازَةُ الْمُعْطَى كَالْأَرْضِ الْمَبُورَةِ وَالدَّيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ وَهَبْته دَيْنًا لَك عَلَى غَرِيمٍ لَك غَائِبٌ فَدَفَعْت إلَيْهِ ذَلِكَ الْحَقَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرُ حَقٍّ فَأَشْهَدْت وَقَبِلَ الْمُعْطَى جَازَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هَكَذَا يُقْبَضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَوْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ الْحَوْزُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَوْ قَالَ لَا أَرْضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ وُهِبَ الْمُسْتَوْدَعُ مَا عِنْدَهُ فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ.

وَقَالَ أَشْهَبُ بَلْ هِيَ حِيَازَةٌ جَائِرَةٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ بِيَدِ الْمُعْطَى فَتَأَخُّرُ الْقَبُولِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَالَ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبْته هِبَةً فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَقَبَضَهَا لِيَنْظُرَ رَأْيَهُ فَمَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ مَاضِيَةٌ إنْ رَضِيَهَا وَلَهُ رَدُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَعَثَ بِهِبَةٍ إلَى رَجُلٍ فَأَشْهَدَ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا فَتَكُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَهُ رَدُّهَا، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهِبَةَ يَمْنَعُ صِحَّتُهَا عَدَمُ الْقَبْضِ فَبِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهَا عَدَمُ الْقَبُولِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(فَصْلٌ) :

وَمَعْنَى الْقَبْضِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ وَتَصِيرَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُعْطِي وَلَا إذْنِهِ فَمَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ وَيَرْضَى فَذَلِكَ حَوْزٌ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَ حَوْزٌ لِلْمُعْطَى لَيْسَ لِلْمُعْطِي مَنْعُهُ مِنْهُ فَصَحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَقُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَامَ غَرِيمُهُ فَحَازَهُ وَالْمُعْطَى غَائِبٌ فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْطَى فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ حَازَهَا بِسُلْطَانٍ، أَوْ بِغَيْرِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ تَصِحُّ الْحِيَازَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُعْطِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ بِمَسْكَنٍ فَخَزَّنَ فِيهِ الزَّوْجُ طَعَامًا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ إنَّ ذَلِكَ حِيَازَةٌ لِابْنَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا سَلَّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَحُوزَ لِابْنَتِهِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً لَهَا إلَّا أَنْ تُوَكِّلَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَبْقَ بِيَدِ الْوَاهِبِ بَلْ هِيَ عَلَى حَالَةٍ يَتَسَاوَى فِيهَا الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةُ الْحِيَازَةِ كَالدَّيْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُعْطَى وَلَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فَلَمْ تَتِمَّ حِيَازَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمُعْطِي، وَهَذَا الْأَصْلُ قَدْ أَوْجَبَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ وَاَللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>