للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْحَبْسِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِجَمَاعَةٍ مُقْتَضَاهَا الْقِسْمَةُ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلُ بَعْضُهَا وَيَصِحُّ بَعْضُهَا وَالْحَبْسُ يُنَافِي الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَإِنَّمَا تُقَسَّمُ الْغَلَّةُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُ الْحَبْسِ لِعَدَمِ الْحِيَازَةِ بَطَلَ جَمِيعُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ بِعَبْدٍ، أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي صِحَّتِهَا فَلَمْ يَجُزْ عَنْهَا حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهَا إنَّهَا بَاطِلَةٌ كَالْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً فَإِنْ بَرِئَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَى صَدَقَتِهَا، وَإِنْ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ بِمَوْتِهَا، وَقَدْ يُرْوَى هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الْحِيَازَةِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ الْحَوْزِ فَقَدْ بَطَلَتْ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَّصِلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ لَكَانَ عَلَى صَدَقَتِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمُفْلِسُ فَإِذَا حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ حِيَازَةِ الْعَطِيَّةِ بَطَلَتْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ إنْ بِيعَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ قَصُرَ بَعْضُهُ عَنْ مَبْلَغِ الدَّيْنِ لِلتَّبْعِيضِ يُبَاعُ جَمِيعُهُ فَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَيُعْطَى مَا بَقِيَ لِلْمُتَصَدِّقِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمَّا اسْتَحَقُّوهُ مِنْ يَدِهِ فَبِيعَ لَهُمْ فِي دَيْنِهِمْ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا حُكْمُ عَدَمِ الْحِيَازَةِ فَأَمَّا إذَا حَازَ الْعَبْدُ، وَقَدْ كَانَ تَدَايَنَ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْعَطِيَّةَ قُبِضَتْ، أَوْ لَمْ تُقْبَضْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ أَدَانَ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الدَّيْنَ أَوْلَى وَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ قَالَ أَصْبَغُ الصَّدَقَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ بَعْدَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ يَوْمُ الصَّدَقَةِ لَا يَوْمُ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَوْمَ الْحِيَازَةِ لَا يَوْمَ الْعَطِيَّةِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِمُرَاعَاةِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إذَا تَقَدَّمَ لَهُ الدَّيْنُ، وَقَدْ كَانَ لَهُ وَفَاءً يَوْمَ الصَّدَقَةِ، أَوْ لَمْ يَدْرِ الدَّيْنَ قَبْلَ الصَّدَقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا فَالصَّدَقَةُ الْمَقْبُوضَةُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَازَهَا لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ حَتَّى يَعْرِفَ خِلَافَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَغَلَّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْرِ اسْتَغَلَّ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَهُمْ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَسْتَغِلُّهَا لِنَفْسِهِ دُونَهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ عَنْهُ لَا يَدْرِي الدَّيْنَ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا الصَّدَقَةُ أَوْلَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ قَبْلَ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَازَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَكَانَ الدَّيْنُ أَوْلَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، أَوْ وَهَبَهُ فَلَمْ يَحُزْ عَنْهُ حَتَّى بَاعَهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْبَيْعَ أَوْلَى وَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ يَرُدُّ الْبَيْعَ وَيَأْخُذُ الْمُعْطَى صَدَقَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا عَلِمَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاعَهَا الْمُتَصَدِّقُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ مَا دَامَ الْمُتَصَدِّقُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْبَيْعُ مَاضٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ حِيَازَةٌ يَضْمَنُ بِهِ الْمَبِيعَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كِلَا الْعَقْدَيْنِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَكَانَ أَسْبَقُهُمَا أَوْلَى كَالْبَيْعَتَيْنِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلِ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا لَمْ أَفْسَخْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى مِنْ الثَّمَنِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ لَا شَكَّ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ إنْ كَانَ الْمُعْطَى حَاضِرًا فَلَمْ يَقُمْ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى رَدِّهِ وَلَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُعْطِي فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي

<<  <  ج: ص:  >  >>