للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الَّذِي يُمْكِنُ صَاحِبُهُ أَنْ يَطْلُبَهُ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَصِيَّتِهِ وَعَلَيْهِ يَسْلُكُ مَنْ يَسْمَعُ التَّعْرِيفَ مِمَّنْ يَمْضِي إلَى مَوْضِعِ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ فِي الْأَغْلَبِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ فَلَا يُخْرِجُ اللُّقَطَةَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا بِهَا يَطْلُبُهَا كَانَ مِنْهَا، أَوْ غَيْرِهَا وَأَبَاحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُتْلِفُهَا وَلَا يُنْقِصُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَوْلِ فَعَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ لَهَا.

وَقَدْ رَوَى سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ قَالَ كُنْت مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزْوَةٍ فَوَجَدْت سَوْطًا فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ قُلْت: لَا وَلَكِنِّي إنْ وَجَدْت صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْت بِهِ فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَتْ «أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ وَجَدْت صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْت بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْت إلَيْهِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، ثُمَّ عَرَّفْتهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْته فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْته الرَّابِعَةَ فَقَالَ: اعْرَفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا يُرِيدَ الْتِقَاطَهَا، وَالثَّانِي: أَنْ يَأْخُذَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يَجِدَ ثَوْبًا فَيَظُنَّهُ لِقَوْمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَأْخُذَهُ فَيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ فَلَا يَدَّعُونَهُ فَهَذَا الَّذِي لَهُ رَدُّهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ وَلَا تَعَدَّى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَعْلَمَ بِهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ حُكْمَ اللُّقَطَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَأْخُذَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا وَبِذَا قَدْ لَزِمَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حِفْظُهَا وَتَعْرِيفُهَا فَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُهَا.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُهَا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا إشْهَادَ عَلَيْهِ فِي رَدِّهَا وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِرَدِّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَإِنْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ضَمِنَ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ عَلَيْهِ بِالتَّعْرِيفِ بِهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اُتْرُكْهَا فِي مَوْضِعِهَا كَمَا قَالَ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ مَالَكَ وَلَهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا، وَقَدْ أَزَالَهَا عَنْ الْغَرَرِ إلَى حَالَةٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فِيهَا فَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَقَدْ أَعَادَهَا إلَى الْغَرَرِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا كَمَنْ أَخْرَجَ صَبِيًّا لِغَيْرِهِ مِنْ بِئْرٍ يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهَا الْهَلَاكَ ثُمَّ رَدَّهُ فِيهَا فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، أَوْ أَخْرَجَ ثَوْبًا مِنْ النَّارِ قَبْلَ أَنْ يَحْتَرِقَ ثُمَّ رَدَّهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَالضَّمَانِ فَإِذَا أَعَادَهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَتَلَفَّتَ فِيهِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتْرُكَهَا فِيهِ أَوَّلًا فَتَلِفَتْ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَضَالَّةِ الْإِبِلِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ دَفَعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى غَيْرِهِ يُعَرِّفُهَا فَضَاعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِهَا مَا شِئْت، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَى مِثْلِهِ فِي الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَالَ لَهُ اصْنَعْ بِهَا مَا شِئْت، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَى مِثْلِهِ فَهُوَ قَدْ أَعْلَمُهُ بِأَصْلِهَا فَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ لَهُ اعْمَلْ بِهَا مَا شِئْت؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَعْمَلَ بِهَا إلَّا مَا لِلْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي اللُّقَطَةِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ يَدِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ دَفَعَ إلَيْهِ الْوَدِيعَةَ صَاحِبَهَا وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَمَانَتِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ إنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا اللُّقَطَةُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهَا فَكَانَتْ حَالُهُ وَحَالُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْأَمَانَةِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لِحِفْظِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ ضَيَاعَ اللُّقَطَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ ادَّعَى صَاحِبُهَا فِيهَا أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِهِ الْتَقَطْتهَا لِأُعَرِّفَ بِهَا فَلَا يَمِينَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الضَّيَاعِ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ التَّعْرِيفِ بِهَا، أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ لَارْتَفَعَ أَهْلُ الْعَدَالَةِ وَالْخَيْرِ عَنْ حِفْظِ لُقَطَةٍ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْيَمِينَ إذْ لَا طَرِيقَ إلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى ضَمِيرِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ يَمِينُ

<<  <  ج: ص:  >  >>