للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِفَاصُ الْخِرْقَةُ وَالْخَرِيطَةُ وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَعَنْ أَشْهَبَ فِي النَّوَادِرِ الْعِفَاصُ وَالرِّبَاطُ وَالْوِكَاءُ مَا فِيهِ اللُّقَطَةُ مِنْ خِرْقَةِ، أَوْ غَيْرِهَا وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوِكَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يُرْبَطُ بِهِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا» فَجَعَلَ مَكَانَ الْعِفَاصِ الْوِعَاءَ وَأَثْبَتَ الْوِكَاءَ الَّذِي يُوكَأُ بِهِ الْوِعَاءُ فَصَحَّ أَنَّهُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً مَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَحْفَظَ صِفَةَ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَيَكْتُمُ ذَلِكَ لِيَنْفَرِدَ بِحِفْظِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لِابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ أَنْ لَا يُرِيَهَا أَحَدًا وَلَا يُسَمِّيَهَا بِعَيْنِهَا وَلَا يَقُولُ مَنْ يُعَرِّفُ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ عَرْضًا لَكِنْ يُعَمِّي ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْتِيَ مُسْتَحِلٌّ فَيَصِفَهَا بِصِفَةِ الْمُعَرِّفِ فَيَأْخُذَهَا وَيُبَيِّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا» وَلَمْ يَقُلْ ثُمَّ عَرِّفْ بِذَلِكَ وَلَا أَبْرِزْهَا وَأَظْهِرْهَا، وَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهَا لَمَا احْتَاجَ إلَى حِفْظِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَلَأَغْنَى عَنْ ذَلِكَ إظْهَارُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً قَدَّرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ بِالسَّنَةِ وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ شَكَّ فِي ثَلَاثَةٍ، أَوْ وَاحِدَةٍ فَإِنْ ثَبَتَتْ الْأَعْوَامُ الثَّلَاثَةُ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ دُونَ شَكٍّ فَلَمْ يَأْمُرْهُ كُلَّ مَرَّةٍ إلَّا بِالتَّعْرِيفِ سَنَةً وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ الشَّكِّ وَحَدِيثُ أُبَيٍّ شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي، وَالثَّانِي: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ هُوَ أَعْرَابِيٌّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَسْتَبِيحُ اللُّقَطَةَ دُونَهُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ وَمِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فَنَدَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّوْقِيفِ عَنْهَا أَعْوَامًا، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ بَعْدَ أَوَّلِ عَامٍّ لَكِنَّ مِثْلَ أُبَيٍّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ لَا يُسْرِعُ إلَى أَكْلِ مَا هُوَ مُبَاحٌ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَنْهُ وَيَسْتَظْهِرُ فِيهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَوْلَ قَدْ جُعِلَ فِي الشَّرِيعَةِ مُدَّةً لِلِاخْتِبَارِ كَاخْتِبَارِ الْعَيْنِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا تَتَّصِلُ فِيهِ الْأَنْبَاءُ وَتَرِدُ فِيهِ الْأَخْبَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَصِفَةُ التَّعْرِيفِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يُعَرِّفُهَا كُلَّ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَكُلَّمَا يَتَفَرَّغُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ التَّصَرُّفَ فِي حَوَائِجِهِ وَيُعَرِّفُهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ تَعْلَمُ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّك أَنَّهُ صَاحِبُهَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِخْبَارِهِ عَمَّا أُمِرْت بِحِفْظِهِ مِنْ صِفَاتِهَا فَتَدْفَعُهَا إلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْفَعُ إلَّا إلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ رَبِيعَةَ «عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْ بِهَا» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَهَذِهِ فَائِدَةُ حِفْظِ صِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَتَى فَأَخْبَرَ عَنْهَا بِذَلِكَ أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَدُفِعَتْ إلَيْهِ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِصِفَتِهَا إلَّا صَاحِبُهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ مَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَمَا يُخْرِجُ بِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ فَلَمْ تُرَدَّ لُقَطَةٌ إلَّا عَلَى مَنْ يُقِيمُ بِهَا بَيِّنَةً لَذَهَبَ أَكْثَرُ ذَلِكَ بَلْ جَمِيعُهُ فَلَا يَكَادُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْمُرَاعَى فِيمَا يَصِفُ مِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَالْعَدَدِ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَعِنْدَ أَصْبَغَ الْعِفَاصُ وَالْوِكَاءُ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «اعْرَفْ عُدَّتَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>