للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَرهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّامِّ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنَك بِهَا) .

ــ

[المنتقى]

عَلَيْهَا التَّسَرُّعَ إلَى أَكْلِهَا وَلَا اُحْتِيجَ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْحِفْظِ لَهَا، وَهَذَا كَانَ حُكْمُ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِمَا لَمَّا كَثُرَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَ تَعَدِّيهمْ عَلَيْهَا أَبَاحُوا أَخْذَهَا لِمَنْ الْتَقَطَهَا وَرَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَوْا رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ يَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَمِنَ عَلَيْهَا مَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا فَيَتْرُكُهَا فِي مَوْضِعِهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ضَيَاعُهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالتَّمَوُّنِ لَهَا وَقَصْدُ صَاحِبِهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَتَتَبُّعِ أَثَرِهَا مِنْهُ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِهَا فِي الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ أَوَاهَا قَرِيبَ الدَّارِ، أَوْ بَعِيدَهَا فَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا مُتَعَدِّيًا يُتْلِفُ عَيْنَهَا كَانَ أَخْذُهَا وَرَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ يَنْظُرُ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَفْضَلَ لَهُ وَآمَنَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُؤْكَلُ فَمَنْ الْتَقَطَهَا عَرَّفَهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا أَخَذَهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ رَبُّهَا فَأَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا.

وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كُتُبِهِ لَا تُؤْخَذُ الْخَيْلُ وَلَا الْبِغَالُ وَلَا الْحُمُرُ فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ الدَّابَّةَ الضَّالَّةَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إبَاحَةُ أَخْذِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَلَا تُسْرِعُ الْأَيْدِي إلَى أَكْلِهَا إذَا أُمِنَ حِفْظُهَا كَمَا يَخَافُ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ كِنَانَةٍ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ وَيَبْقَى دُونَ مَنْ يَحْفَظُهُ فَلَا تُلْتَقَطُ كَالْإِبِلِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْبَقَرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَمِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا السِّبَاعَ وَلَا الذِّئَابَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ضَالَّةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إذَا وَجَدَهَا بِالْفَلَاةِ فَلَهُ أَكْلُهَا وَلَا يَضْمَنُهَا لِرَبِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ ضَمِنَهَا إلَيْهِ وَعَرَّفَهَا فَجَعَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا وَأَلْحَقَهَا مَالِكٌ بِالْغَنَمِ فِي ضَعْفِهَا عَنْ الِامْتِنَاعِ عِنْدَ انْفِرَادِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهَا بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إيصَالُهَا إلَى الْعُمْرَانِ أَيْسَرَ مِنْ إيصَالِ الْغَنَمِ فَفِي مِثْلِ هَذَا يُخَالِفُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْغَنَمِ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَتَحَهَا وَنَظَرَ إلَيْهَا وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إذَا وَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَا إذَا رَفَعَهَا فِي مَوْضِعٍ يَخْتَارُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَا أُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعَرِّفَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَلَوْ مَشَى هَذَا الَّذِي وَجَدَهَا إلَى الْحِلَقِ فَأَخْبَرَهُمْ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتُهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَاذْكُرْهَا لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّامِ فَإِنَّهُ إنَّمَا وَجَدَهَا بِمَنْزِلٍ نَزَلَهُ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَهُمْ أَوْ لِمَنْ مَرَّ بِطَرِيقِهِمْ فَإِذَا ذَكَرَ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّامِ كَانَ أَقْرَبُ إلَى مَعْرِفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>