للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللُّقَطَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَبْقَى فِي يَدِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ مَعَ التَّرْكِ كَالثِّيَابِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ، وَضَرْبٌ لَا يَبْقَى فِي يَدِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ مَعَ التَّرْكِ كَالشَّاةِ فِي الْفَلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي خَرِبَةٍ، أَوْ مَوْضِعٍ يَجِدُ مَنْ يَحْفَظُهَا فِي غَنَمِهِ فَإِنَّ لَهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ الَّتِي تَبْقَى يُعَرِّفُهَا سَنَةً وَضَرْبٌ ثَالِثٌ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ كَالْإِبِلِ فَهَذَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ وَجَدَ شَاةً بِفَلَاةٍ فَنَقَلَهَا إلَى عُمْرَانٍ فَإِنْ كَانَ نَقَلَهَا حَيَّةً كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ يَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ ذَبَحَهَا وَنَقَلَهَا فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ أَكْلُهَا غَنِيًّا كَانَ عَنْهَا، أَوْ فَقِيرًا وَيَصِيرُ لَحْمُهَا وَجِلْدُهَا مَالًا مِنْ مَالِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَازَهَا بِالذَّبْحِ كَمَا لَوْ طَبَخَهَا وَصَيَّرَهَا طَعَامًا قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِمَّا لَا يَبْقَى بِيَدِ مَنْ يَحْفَظُهُ الطَّعَامُ الَّذِي لَا يَبْقَى مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْأُدُمِ فَهَذَا إنْ كَانَ فِي فَلَاةٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عِمَارَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّاةِ تُوجَدُ بِالْفَلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَبْقَى فَلَا يُمْكِنُ مَنْ وَجَدَهَا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا وَلَا أَنْ يَحْمِلَهَا وَهَذَا الطَّعَامُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يُمْكِنُ مَنْ حَمَلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بِيَدِ مَنْ حَمَلَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ وَأَكْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ طَرْحِهِ فَيَضِيعُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ وَحَيْثُ النَّاسُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَكْلِهِ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ.

وَقَالَ أَشْهَبُ أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَيَافِي فَيَبِيعُهُ وَيُعَرِّفُ بِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى فِيمَنْ وَجَدَ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الطَّعَامِ فِي فَلَاةٍ، أَوْ حَاضِرَةٍ فَعَرَّفَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِفَلَاةٍ فَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ إلَّا أَكْلُهُ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ تَضْيِيعِ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ فَلَاةٍ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِفْظُ مَا أَمْكَنَهُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ عَيْنِ اللُّقَطَةِ عَادَ إلَى حِفْظِ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ: مَا لَك وَلَهَا؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِهَا وَضَمَانِهَا فَإِنَّ اللُّقَطَةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ عَلَى مَعْنَى الْحِفْظِ لِصَاحِبِهَا وَهِيَ مِمَّا لَا يُسْرِعُ التَّلَفُ إلَيْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهَا سِقَاؤُهَا قَالَ عِيسَى مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَصْبِرُ عَنْ الْمَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ حَتَّى تَجِدَ سَبِيلًا إلَى الْوُرُودِ فَجَعَلَ صَبْرَهَا عَنْ الْمَاءِ بِمَعْنَى السِّقَاءِ وَحِذَاؤُهَا قَالَ عِيسَى مَعْنَاهُ أَخْفَافُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا بِهَا نَبَّهَهُ عَلَى أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْ عَوَادِي السِّبَاعِ فِي الْأَغْلَبِ وَأَنَّهَا مَعَ وِرْدِهَا الْمَاءَ وَأَكْلِهَا مِنْ الشَّجَرِ الَّذِي لَا يَعْدَمُهَا سَتَبْقَى بِامْتِنَاعِهَا إلَى أَنْ يَلْقَاهَا رَبُّهَا فَيَأْخُذَهَا وَالْتِقَاطُهَا يَمْنَعُ صَاحِبُهَا مِنْ وُجُودِهَا وَيَضْرِبُهُ فِي طَلَبِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْلُبُهَا فِي الْجِبَالِ وَمَوَاضِعِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ فَإِنْ مُنِعَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَجِدْهَا رَبُّهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا لَك وَلَهَا؟ الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ الْتَقَطَ ثَوْبًا أَوْ دَنَانِيرَ تَكَلَّفَ حِفْظَهَا مُدَّةَ سَنَةٍ مَعَ خَوْفِ الضَّيَاعِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا مَنْ وَجَدَهَا فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بَعْدَ تَكَلُّفِ تَعْرِيفِهَا.

وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ ضَالَّةَ الْإِبِلِ فَتَكَلَّفَ حِفْظَهَا فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِيهِ بَلْ رُبَّمَا اسْتَضْرَبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَنَادِرَةٌ وَيَسِيرَةٌ غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ مِنْ مَضَرَّةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ فَنَهَى عَنْ أَخْذِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُبِيحَ لِلنَّاسِ أَخْذُهَا تُسُرِّعَ إلَى أَكْلِهَا فِي ذَلِكَ بِالْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهَا، وَمَنْ أَخَذَهَا احْتَاجَ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَهِيَ إذَا كَانَتْ فِي مَوَاضِعِهَا لَمْ يَخَفْ

<<  <  ج: ص:  >  >>