للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

عَبْدًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ فَوَضَعَ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ جَازَ مِنْهَا قَدْرَ الثُّلُثِ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي سِلْعَةٍ ثُمَّ أَقَالَ مِنْهَا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ غَيْرَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مُحَابَاةٌ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ.

وَقَالَ عِيسَى: يَمْضِي لَهُ مِنْهُ مَا لَا مُحَابَاةَ فِيهِ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِي بَاقِيه فَإِمَّا سَلَّمُوهُ، وَإِمَّا قَطَعُوهُ بِثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فِي بَاقِي الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تَعُودُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ مُحَابَاتَهُ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَصَدَ إلَى بَيَانِ مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَبَعْضَهُمْ قَصْد إلَى صِفَةِ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قَالَ الْمُبْتَاعُ أَنَا أَدْفَعُ بَقِيَّةَ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَآخُذُهُ فَقَدْ قَالَ عِيسَى وَأَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ عِيسَى وَلَا لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُلْزِمُوهُ ذَلِكَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَخْذَ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ مِنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا يَوْمَ يَمُوتُ الْبَائِعُ، قَالَهُ أَصْبَغُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ وَارِثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِيمَةُ، أَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّمَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ وَرِقًا بِذَهَبٍ فَحَابَى فِي ذَلِكَ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ مُحَابَاةٌ، أَوْ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ، قَالَهُ أَصْبَغُ قِيلَ: قَدْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ حَرَامٌ لِلتَّأْخِيرِ، قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ إلَّا حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْخِيرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ فَهُوَ جَائِزٌ حَتَّى يَرُدَّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَتَزَوَّجَ الِابْنُ لِذَلِكَ وَدَخَلَ، أَوْ زَوَّجَهُ هُوَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى الْوَرَثَةِ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَتَتْبَعُهُ الزَّوْجَةُ بِالْمَهْرِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا هِبَةٌ فِي الْمَرَضِ فَلَا تَفُوتُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا لَهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِسَعْدٍ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ لِغَيْرِهِ دُونَهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقَاءَ وَرَثَتِهِ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَهَذَا الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ فَمَا مِنْ أَحَدٍ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا يُرِيدُ الْخَيْرَ وَالْخَصْبَ لِذُرِّيَّتِهِ وَرُبَّمَا آثَرَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَأَكْثَرُ لِأَجْرِهِ أَمَّا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَنَاتِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْبَنِينَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ صِلَةَ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ صِلَةِ مَنْ بَعُدَ مِنْهُ وَأَعْظَمُ لِأَجْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٤] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: ١٥] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] وَقَوْلُهُ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: ٣٦] فَقَدَّمَ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ ذَا الْقُرْبَى وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ تَعَلُّقًا مَنَعَ الْقَلِيلَ مِنْهُ فَخُيِّرَ لَهُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَنْ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى إتْلَافِهِ فَتَبْقَى الْوَرَثَةُ بَعْدَهُ فُقَرَاءَ عَالَةً، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَرَكَ غِنًى دُونَ مَنْ لَا يَتْرُكُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغِنَى فِيهِ خَيْرٌ، وَلَوْ كَانَ الْغِنَى شَرًّا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: " وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرَتْ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ إذَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَالتَّعَفُّفُ وَالتَّسَتُّرُ وَأَدَاءُ الْحَقِّ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَهْلِ وَعَوْنُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْخَيْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يُؤْجَرُ بِهَا الْمُنْفِقُ وَإِنْ كَانَ مَا يُطْعِمُهُ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْحَالِ أَنَّ إنْفَاقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>