للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

هُوَ كَالْجِنَايَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ صَارَ كَالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَرَأْسِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ أَمْرٌ لَزِمَ فِي الصِّحَّةِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِي الْمَرَضِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِتْقِ الْبَتْلُ فِي الْمَرَضِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ فَلَا خِلَافَ فِي تَقْدِيمِهِمَا عَلَى كُلِّ مَا يَكُونُ فِي الثُّلُثِ إلَّا مَا قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ مُقَدَّمَانِ عَلَى التَّدْبِيرِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ التَّدْبِيرَ أَمْرٌ لَازِمٌ حَالَ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعِتْقِ وَلِلْعِتْقِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَازِمَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ بِالشَّرْعِ فَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى مَا يَلْتَزِمُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ الصَّدَاقِ وَالْمُدَبَّرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَلِيهِمَا الْوَصِيَّةُ بِمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ.

وَقَالَ مَالِكٌ الزَّكَاةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى كُلِّ كَفَّارَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْتَالٍ فِي الْمَرَضِ وَوَصِيَّتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِهَا وَرَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْعِتْقَ يُرِيدُ الْمُعَيَّنَ يُقَدَّمُ عَلَى الزَّكَاةِ وَالزَّكَاةُ تُقَدَّمُ عَلَى الصَّدَقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيْنَا.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا بِزَكَاتِهِ لِعَامَّةٍ، أَوْ لِعَامٍّ فَارِطٍ وَزَكَاةِ فِطْرِهِ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ وَمَا بَتَلَ فِي مَرَضِهِ مِنْ عَطِيَّةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ أَصْدَقَ عَمَّنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ فَذَلِكَ مَبْدَأٌ عَلَى الزَّكَاةِ يُوصِي بِهِمَا مِمَّا قَدْ فَرَّطَ فِيهِمَا وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَصَايَا، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُفَرَّطِ فِيهَا إذَا أَوْصَى بِهَا فَهَذِهِ الْوَاجِبَاتُ كُلُّهَا لَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَتُقَدَّمُ هِيَ عَلَى الْوَصَايَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الزَّكَاةَ إقْرَارٌ بِأَمْرٍ مُقَدَّمٍ وُجُوبَهُ بِالشَّرْعِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ وَعَلَى مَا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ كَالصَّلَوَاتِ وَالصَّوْمِ مَا وَجَبَ مِنْهَا بِالشَّرْعِ آكَدُ مِمَّا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُبْتَلَى فِي الْمَرَضِ يُقْدِمُ عَلَى الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَالَ لَمْ تَكُنْ عَلَى زَكَاةٍ وَقَالَهُ كُلَّهُ فَقَدْ كُنْت أَقُولُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَوْصَى بِالزَّكَاةِ حَالَ مَرَضِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَكِنَّهُ عَلَّلَ بِمَا قَدَّمَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي ضَعْفَهَا عِنْدَهُ لَمَّا كَانَتْ مَصْرُوفَةً إلَى أَمَانَتِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ تَتَسَاوَى الْوَصِيَّةُ بِهَا حَالَ الصِّحَّةِ وَحَالَ الْمَرَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ زَكَاةُ الْمَالِ وَالْحَبِّ وَالْمَاشِيَةِ سَوَاءٌ يُحَاصُّ بَيْنَهُمَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ وَيَبْدَأُ ذَلِكَ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ تَبْدَأُ زَكَاةُ الْمَالِ ثُمَّ زَكَاةُ الْفِطْرِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ وَزَكَاةَ الْفِطْرِ سَوَاءٌ وَجْهُ قَوْلِنَا بِتَقْدِيمِ زَكَاةِ الْمَالِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَكَانَتْ أَقْوَى مِمَّا ثَبَتَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا زَكَاتَانِ وَاجِبَتَانِ فَلَمْ تُقَدَّمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَزَكَاةِ الْعَيْنِ وَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ثُمَّ بَعْدَهَا عِتْقُ الظِّهَارِ وَعِتْقُ الْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ وَجْهُ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَيْهَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ وُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّ لِهَذَا الْعِتْقِ بُدٌّ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَا بَدَلَ لِلزَّكَاةِ فَكَانَتْ آكَدُ، وَهَذَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْعَمْدِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَدَّمَةٌ إذْ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْعَمْدِ وَسَيَرِدُ بَيَانُ نَفْيِ وُجُوبِهَا فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١ -

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْعِتْقِ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُعْتَقُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَيُطْعَمُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ نَفَّذَ ذَلِكَ إذْ لَا إطْعَامَ فِي الْقَتْلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْرَجَهَا وَرَثَتُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءُوا.

وَقَالَ أَصْبَغُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْقَتْلِ لَعَلَّهُ يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ فَيُطْعِمُ عَنْهُ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ فَعَنْ أَيِّهِمَا شَاءُوا، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ وَغَيْرُ رِوَايَةِ الْمُحَاصَّةِ وَهِيَ رِوَايَةُ تَخْيِيرِ الْمُنَفِّذِ لِلْوَصِيَّةِ فِي أَنْ يُخْرِجَ الرَّقَبَةَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءُوا، وَأَمَّا قَوْلُهُ يُطْعِمُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَدْ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>