للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ، وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ إلَيْهِ الشُّفْعَةُ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ ثَابِتٌ مَا لَمْ يَتْرُكْ أَوْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ أَوْ يَأْتِيَ مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ مَا يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلشُّفْعَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا تُقْطَعُ شُفْعَةُ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَغِيبَ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ فِي الشُّفْعَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ حَقُّهُ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً قَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي الشُّخُوصِ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا إذَا طَالَ زَمَانُهُ وَعَلِمَ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَكَانَ طُولُ إمْسَاكِهِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِهَا بِمَعْنَى تَرْكِهَا كَالْحَاضِرِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ حَدًّا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ» وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ وَقَادِرًا عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِتَوْقِيفِهِ فَإِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّوْقِيفِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الشَّفِيعِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ فِي تَرْكِ الشَّفِيعِ عَلَى شُفْعَتِهِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرَى وَمَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِالْعِمَارَةِ وَالْإِنْفَاقِ لَهُ فَكَانَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ يَأْمَنُ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ الشُّفْعَةَ وَلَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَرْكُهُ إيقَافَ الشَّفِيعِ كَمَا لَا يَقْطَعُ الشَّفِيعُ تَرْكَهُ الْإِشْهَادَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَحْدِيدِ الْمُدَّةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ السَّنَةَ وَالسَّنَتَانِ قَرِيبٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ مُضِيُّ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يُوقَفَ وَقَالَ لَا أَرَى الْخَمْسَ سِنِينَ طُولًا.

وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ السَّنَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِالسَّنَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ السَّنَةَ قَدْ جُعِلَتْ قَدْرًا لِقَطْعِ الْأَعْذَارِ فِي الْغَيْبَةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ فِي الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْقِيَامِ بِالشُّفْعَةِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالسَّنَةِ فَهَلْ يَكُونُ لِمَا قَرُبَ مِنْ السَّنَةِ حُكْمُهَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ السَّنَةَ قَرِيبٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ هَذَا التَّقْدِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ مَا قَارَبَ السَّنَةَ دَخَلَ فِي حُكْمِهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا حُدَّ بِالسَّنَةِ كَانَ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا كَالسَّنَةِ الْمَضْرُوبَةِ لِلَّعْنَةِ وَالْجُنُونِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَحْدُودَةَ بِالسِّنِينَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى فِرْقَةٍ كَانَ حُكْمُ مَا قَارَبَ السَّنَةَ حُكْمَ السَّنَةِ أَصْلُ ذَلِكَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لِلشَّفِيعِ الْحَاضِرِ فِيمَا لَمْ يُوقَفْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ شُفْعَتُهُ عَلَى حَدِّ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا، أَوْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ فَلَا تَنْقَطِعُ شُفْعَتُهُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ.

وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ وَالضَّعِيفُ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ مِثْلَ غَيْرِهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالصَّغِيرُ وَالْبِكْرُ كَالْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرِيضُ عَالِمًا بِشُفْعَتِهِ أَوْ جَاهِلًا بِهَا.

وَقَالَ أَصْبَغُ الْمَرِيضُ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا يَبْقَى حُكْمُ شُفْعَتِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْدِرُ عَلَى إشْهَادِهِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ مِنْ الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ وَمَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّ لِمَنْ زَالَتْ عَنْهُ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ زَوَالِهَا بِمِثْلِ مَا لِلشَّفِيعِ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْعُذْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِهَا فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ اُعْتُبِرَ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا يُعْتَبَرُ لِمُطْلَقِ الدَّوَاعِي مِنْ وَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>