للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيُعَمِّرُهَا بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا، أَوْ الْبِئْرِ يَحْفِرُهَا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ كَانَ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا) .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنَا آخُذُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ، أَوْ تَدَعَ الشُّفْعَةَ فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إلَّا ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَيَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَاءِ الْمَالِكِ فَنَسَبَهُ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْمِلْكِ كَمَا يَقُولُ صَاحِبُهُ وَمَالِكُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الشُّرَكَاءِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ مِنْ شُرَكَائِهِ عَائِدًا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ تَدَعَ الْجَمِيعَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الشُّرَكَاءِ غَائِبًا، أَوْ حُضُورًا فَإِنْ كَانُوا حُضُورًا وَأَبَوْا الْأَخْذَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ تَرَكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ فَإِنْ أَخَذَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ التَّرْكِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ وَالتَّرْكُ لَهَا مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَإِذَا انْعَقَدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ لَزِمَ فِي الْجِهَتَيْنِ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي مَنْعَهُ مِنْ أَخْذِ الْجَمِيعِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّبْعِيضِ فَكَمَا لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُبَعِّضَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي تَبْعِيضَهَا عَلَى الشَّفِيعِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ لِلشُّفْعَةِ سَلَّمَهَا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ لِلْمُبْتَاعِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا قَدْرُ سَهْمِهِ وَلِلْمُبْتَاعِ سَهْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ عَلَى وَجْهِ كَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْجَمِيعِ فَإِنْ أَبَى فَلَا شُفْعَةَ لَهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ هِبَةُ الشُّفْعَةِ لَكِنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ هِبَتَهَا لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مِلْكِهَا كَالْمُشْتَرِي وَإِذَا تَرَكَهَا الشَّفِيعُ وَلَمْ يَهَبْهَا فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ إشْرَاكُهُ غَيْبًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ دُونَ حِصَّةِ أَشْرَاكِهِ الْغُيَّبِ حَتَّى يُقْدِمُوا وَلْيَأْخُذْ الْآنَ الْكُلَّ، أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ تَرَكَ فَلَا دُخُولَ لَهُ مَعَ أَصْحَابِهِ إذَا قَدِمُوا وَأَخَذُوا الشُّفْعَةَ فَإِنْ قَدِمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ غَابَ قِيلَ لَهُ خُذْ الْجَمِيعَ أَوْ اُتْرُكْ الْجَمِيعَ وَلَوْ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ فَمَنْ قَدِمَ دَخَلَ مَعَهُ فِي الشُّفْعَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكُ غَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي غَيْرِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشُّرَكَاءِ فَأَرَادَ أَحَدُ شُرَكَائِهِ أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ وَسَلَّمَهَا سَائِرُهُمْ وَقَالَ الشَّفِيعُ إنَّك شَفِيعٌ مَعِي فَأَنَا أَتْرُكُ لَك بِقَدْرِ حِصَّتِك مِنْ الشُّفْعَةِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا إلَّا مَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ التَّأْوِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُلْزِمَ الشَّفِيعَ بِأَخْذِ الْكُلِّ، أَوْ التَّرْكِ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ شَفِيعٌ تَارِكٌ فَإِنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ الْكُلَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَهِيَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ لَا بِالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ فَعَمَّرَهَا فَإِنَّ عِمَارَتَهُ لَهَا تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَمَا لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ وَالثَّانِي مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالْحَرْثِ وَالْإِصْلَاحِ فَأَمَّا مَا كَانَتْ عِمَارَتُهُ بِمَا لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَمَّرَ بِوَجْهِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ عَمَّرَ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقَطْعِ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ وَيُشَارِكَهُ الْمُشْتَرِي بِالْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ازْدِيَادٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ الَّتِي شُرِعَتْ الشُّفْعَةُ لِنَفْيِهَا وَتَصَوُّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>