للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِي فَأَقَالَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَالشَّفِيعُ

ــ

[المنتقى]

اشْتَرَى الْأَرْضَ كُلَّهَا فَعَمَّرَ فِيهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَهُ فَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ مِنْهَا حِصَّةً وَأَرَادَ أَخْذَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى الْأَرْضَ، ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ بَعْدَ أَنْ عَمَّرَ فَأَدْرَكَ فِيهَا حَقًّا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَحَقَّ مِنْهَا جُزْءًا، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَ جَمِيعَهَا وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ فَبَنَى فِيهَا، ثُمَّ قَامَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ تَقُومُ مَطْرُوحَةً نَقْضًا فَإِنْ شَاءَ الشَّفِيعُ أَخَذَ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا وَإِلَّا أَمَرَهُ بِقَلْعِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبُنْيَانِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا غَرَسَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّمَا لَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْدِمُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ.

وَقَالَ أَشْهَبُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِلْغَارِسِ مَا أَنْفَقَ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ وَقَدْ يُنْفِقُ فِي غِرَاسٍ وَحَفْرِ عُيُونِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَلَا يَنْبُتُ مِنْهُ إلَّا الْيَسِيرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا يُرِيدُ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا جُزْءًا وَهَذَا الْجُزْءُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وَقَدْ بَنَى فِيهِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَدْرَ حِصَّةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْبِنَاءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ بَنَى بِوَجْهِ حَقٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَا بَنَى وَغَرَسَ فَإِنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ مَا بَنَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ دُونَ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ الْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ أَرْضِهِ وَالْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ بِنَائِهِ، أَوْ غَرْسِهِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ مِنْهُ إلَّا بِالضَّرَرِ وَقَدَّمَ مَالِكٌ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ أَقْدَمُ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ أَثْبَتُ فِي الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَإِذَا أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الشِّرَاءِ مَا لَا يُرِيدُ شِرَاءَهُ وَعَرَضَ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ فَإِنْ أَجَابَ إلَى ذَلِكَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ لِضَعْفِ جَنَبَتِهِ مِنْ الْإِبَايَةِ عَنْ تَخْلِيصِ الْمِلْكِ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا شَرَكَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ يُجْبَرَ فِيهِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا دَعَا إلَيْهِ الْآخَرُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مَنْ أَبَاهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا.

١ -

(فَرْعٌ) فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُسْتَحِقِّ قِيمَةَ أَرْضِهِ وَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَخْذَ بَقِيَّةِ الْأَرْضِ بِالشُّفْعَةِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَسْت أَرَاهُ وَجْهَ نَفْيِ الشُّفْعَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى أَخَذَ قِيمَةَ شِقْصِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِنَفْيِ الضَّرَرِ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ الشِّقْصِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشُّفْعَةَ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ بِشِرَاءِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ فَبَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِوَقْتِ وُجُوبِهَا وَهُوَ وَقْتُ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي وَيَجِيءُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْأَخْذِ دُونَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لِحِصَّتِهِ الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ تَرْكٌ لِشُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَإِذَا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمِلْكِ لَمْ يَبْقَ مَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْيِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَكَانَ بَيْعُهُ لِحِصَّتِهِ يَقْتَضِي تَرْكَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(فَرْعٌ) فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ دَفْعِ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَرَجَعَا إلَى الشَّرِكَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِثْلَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِنِصْفَيْنِ وَهَلْ تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الشُّفْعَةُ قَالَ أَشْهَبُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ لِابْنِ الْمَوَّازِ تَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِمَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُهُ أَيْضًا بِرُبْعِ ثَمَنِ الدَّارِ وَرُبْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يُحْتَسَبَ عَلَى الْمُشْتَرَى بِرُبْعِ قِيمَةِ النَّقْضِ الَّذِي هُدِمَ مَنْقُوضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>