للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِتْقُ الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرَهُ يَذْكُرُونَ أَنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِلرَّافِضَةِ بْنِ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَأَبَى الْفُرَافِصَةُ فَأَتَى الْمُكَاتَبُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَدَعَا مَرْوَانُ الْفُرَافِصَةَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَأَبَى فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِذَلِكَ الْمَالِ أَنْ يُقْبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَيُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ اذْهَبْ فَقَدْ عَتَقْت فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفُرَافِصَةُ قَبَضَ الْمَالَ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أَدَّى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ قَبْلَ مَحِلِّهَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقٍّ وَلَا تَتِمُّ حُرْمَتُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ مِيرَاثُهُ

ــ

[المنتقى]

الْكِتَابَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَجْزَ يُنْقِصُهُ وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِالْأَدَاءِ وَبِهِ يَصِحُّ الْعِتْقُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ دُونَ يَوْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ عَجَزُوا لَرَجَعُوا إلَيْهِ عَلَى حَالِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِلسَّيِّدِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ دُونَ تَرَاجُعٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ صِفَاتَهُمْ تُعْتَبَرُ بِحَالِ يَوْمِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُفُوذِ الْعَقْدِ عَلَى السَّوَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ الْمُعْتَبَرَ فِي زِيَادَةِ الْكِتَابَةِ وَنَقْصِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَبَلَغَ السَّعْيَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ يَوْمَ وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى حَالِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ بِحَالِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ أَنْ لَوْ كَانَ هَكَذَا يَوْمَ الْكِتَابَةِ بَالِغًا وَقَالَ أَصْبَغُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ يَوْمَ بَلَغَ السَّعْيَ أَنْ لَوْ كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ يَوْمَ الْكِتَابَةِ وَقَالَ فِي بَابٍ آخَرَ لَا شَيْءَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْعَقْدِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الَّذِينَ سَعَوْا فِي الْكِتَابَةِ يَرْجِعُونَ عَلَى الَّذِينَ عَجَزُوا بِحِصَّةِ مَا أَدَّوْا عَنْهُمْ لَمْ يَخْتَلِفْ بِأَنَّ الْأَجَانِبَ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَأَمَّا الْأَقَارِبُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهَا فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمْ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى ذِي رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَدَاءَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ اعْتِبَارُ التَّوَارُثِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَوَجْهُ مَالِكٍ أَنَّهَا تُوَارِثُهُ كَالِابْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تُنَاسِبُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّ تَوَارُثَهُمَا لَيْسَ سَبَبُهُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ إنْ أُعْتِقَ بِسِعَايَةِ الْمَرْأَةِ وَمَالِهَا لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَإِنْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُمْ نَجْمًا لَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ، أَوْ مَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُمْ مَا لَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدَّى عَنْهُمْ لِيُعِينَهُمْ عَلَى السِّعَايَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَهُمْ بِطَلَبِ مَا أَدَّى عَنْهُمْ حَتَّى يَتِمَّ الْأَدَاءُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى مَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ مُعَجَّلًا قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ يُؤَدِّي عَنْهُمْ عَلَى النُّجُومِ وَلَمْ يُعَجِّلْهَا، وَأَمَّا إذَا عَجَّلَ أَحَدُهُمْ الْأَدَاءَ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ النُّجُومُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ عَلَى النُّجُومِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ ذَلِكَ وَيُحَاصُّ الَّذِي أَدَّى عَنْ أَصْحَابِهِ الْغُرَمَاءَ بِمَا أَدَّى عَنْهُمْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمَّا أَدَّى عَنْهُمْ وَعَتَقُوا بِهِ صَارَ دَيْنًا ثَابِتًا عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>