للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْك فَلَمَّا قَدِمَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» )

ــ

[المنتقى]

فَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْك فَلَمَّا قَدِمَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» ) (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ يُرِيدُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْأَبِ الْقِصَاصَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَتْلَ الْأَبِ ابْنَهُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدِهِمَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ فِعْلًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى قَتْلِهِ مِثْلُ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ أَوْ يُضْجِعَهُ فَيَشُقَّ بَطْنَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاءُ قَتْلَ غِيلَةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْمِيَهُ بِحَجَرٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَدَبِ أَوْ التَّرْهِيبِ فَيَقْتُلَهُ فَأَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] ، وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الدِّينِ وَالْحُرْمَةِ فَكَانَ الْقِصَاصُ جَارِيًا بَيْنَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ شَخْصٌ لَوْ قَتَلَهُ حَذْفًا بِالسَّيْفِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ فَإِذَا ذَبَحَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ كَالسَّيِّدِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ أَلْقَتْ الْأُمُّ ابْنَهَا فِي بِئْرٍ أَوْ مِرْحَاضٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ أَلْقَتْهُ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ كَثِيرِ الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ فِي مِرْحَاضٍ لَا يُنْجَى مِنْ مِثْلِهِ.

وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ يَكُونُ الْبِئْرِ مَهْوَاةً لَا يُدْرَكُ وَلَا يَنْزِلُ وَإِنْ كَانَتْ يَبَسًا فَلْتُقْتَلْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَهِيَ أَهْلٌ أَنْ تُقْتَلَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِثْلَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الَّذِي يُرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَشِبْهُ ذَلِكَ فَلَا تُقْتَلُ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ مُتَعَمِّدَةٌ لِلْقَتْلِ كَالذَّبْحِ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ فَإِنَّ جُرْحَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْجِرَاحَ تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْقَتْلِ، وَذَلِكَ إنْ أَخَذَ سِكِّينًا فَقَطَعَ بِهِ يَدَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ أَضْجَعَهُ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنَيْهِ فَفَقَأَهَا فَإِنَّ هَذَا يُقَادُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَهُ الْمُدْلِجِيُّ فَإِنَّهُ إذَا حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ قَلِيلَةِ الْمَاءِ مِثْلُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِعْلٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَتْلِ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ كَأَدَبٍ جَاوَزَ بِهِ حَدَّهُ فَهُوَ كَالْمُخْطِئِ يُرِيدُ لِمَا عُلِمَ مِنْ حُنُوِّ الْأَبِ وَشَفَقَتِهِ مَعَ مَا لَهُ مِنْ التَّبَسُّطِ وَالْأَدَبِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَحُمِلَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْعَمْدِ، وَلَوْ وَجَدَ مِنْ أَحَدٍ عَمْدًا لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْهُ ذَلِكَ الْإِشْفَاقُ، وَلَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ التَّبَسُّطُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسُرَاقَةَ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَصَّ سُرَاقَةَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ بِقَاتِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، وَاقْتَضَى جَوَابُهُ فِيهَا فَلَعَلَّهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْأَبَ بِإِحْضَارِهَا، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَاهَا عَلَى الْأَبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَهِيَ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَكُونَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِئَلَّا تَبْطُلَ الدِّيَةُ.

١ -

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَلَى الْأَبِ فِي مَالِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ هِيَ عَلَيْهِ حَالَّةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ، وَآخِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا فِي مَالِ الْأَبِ حَالَّةٌ، وَكَانَ يَقُولُ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُنَجَّمَةٌ، وَبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>