للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَفْسِ الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبَهُ بِهِ فَيَمُوتَ مَكَانَهُ أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ بِمَا يَضْرِبُ بِهِ النَّاسُ لَا يَرَى أَنَّهُ عَمَدَ لِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ وَيُسْجَنُ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] أَنَّ ذَلِكَ فِي الذُّكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي الْقِصَاصَ بَيْنَ الْإِنَاثِ كَمَا تَقْتَضِي الْقِصَاصَ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَإِنْ مَنَعَ الْقِصَاصَ لِلْعَبِيدِ مِنْ الْأَحْرَارِ فَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ، إنَّمَا تَقْتَضِي إثْبَاتَ الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَبَيْنَ الْعَبِيدِ وَبَيْنَ الْإِنَاثِ، وَلَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَلَا الْقِصَاصَ بَيْنَ الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ دُونَ سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ غَيْرِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ، وَتَعَلَّقَ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ الْحَصْرِ لِمَنْ فَعَلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْ حُرُوفِ الْحَصْرِ وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى نَفْيِ الْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَلَمْ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ كَالدِّيَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَمُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُكَافِئُهُ فِي الْقِصَاصِ كَالْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُرِيدُ أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ بِالرَّجُلِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: ٤٥] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَاتِ {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٨] ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَكَافَآ فِي الْقِصَاصِ كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ، يُرِيدُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: ٤٥] وَلَمْ يُفَرِّقْ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ إنْ أَمْسَكَ الرَّجُلُ لِمَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمُمْسِكِ الْقَتْلَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ ظُلْمًا لِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاتِلُهُ فَأَشْبَهَ إذَا أَمْسَكَهُ لِسَبُعٍ حَتَّى أَكَلَهُ أَوْ فِي نَارٍ حَتَّى أَحْرَقَتْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَبَسَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ بِمَا يَضْرِبُ النَّاسُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ الَّذِي لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَيُسْجَنُ سَنَةً فَلَمْ يَنُصَّ فِي الْكِتَابِ عَلَى مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُحْبَسُ وَيُجْلَدُ بِقَدْرِ مَا يَرَى السُّلْطَانُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا يَسْتَرِيبُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَاحِيَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي حَبَسَهُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: يُجْلَدُ مِائَةً فَقَطْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ الْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ ضَرَبَ مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ بِمَعْنَى لَوْ ثَبَتَ لَوَجَبَ قَتْلُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِإِمْسَاكِهِ ظَالِمًا فَلَمْ يَتَقَدَّرْ بِقَدْرٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>