للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا أَوْ يَفْقَأُ عَيْنَهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ أَوْ تُفْقَأُ عَيْنُ الْفَاقِئِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ، وَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الَّذِي قُتِلَ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي ذَهَبَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا، ثُمَّ يَمُوتُ الْقَاتِلُ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّمِ إذَا مَاتَ الْقَاتِلُ شَيْءٌ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي قَتَلَهُ، فَإِذَا هَلَكَ قَاتِلُهُ الَّذِي قَتَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قَوَدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ، وَالْعَبْدُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) .

ــ

[المنتقى]

بِحَسْبِ مَا اعْتَقَدَهُ فِي إمْسَاكِهِ، وَانْتَهَى إلَيْهِ ظُلْمُهُ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ عِيسَى أَنَّهُ ضَرْبٌ شِبْهُ الْقَتْلِ فَكَانَ السِّجْنُ فِيهِ مُقَدَّرًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ فِيهِ مُقَدَّرًا كَضَرْبِ الْقَاتِلِ يُعْفَى عَنْهُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي الْمُزَنِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ بِأَنْ يَرَى الْقَاتِلَ يَطْلُبُهُ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ أَوْ رُمْحٌ فَقَتَلَهُ فَهَذَانِ يُقْتَلَانِ جَمِيعًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ حَبَسَهُ وَلَمْ يَرَ مَعَهُ سَيْفًا وَلَا رُمْحًا مَشْهُورًا فَأَتَاهُ فَقَتَلَهُ فَلَا قَتْلَ عَلَى الْحَابِسِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَبَبُهُ أَوْ نَاحِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْت أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَقْتُولِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْقَاتِلِ فَإِذَا تَلِفَ بِأَمْرِ السَّمَاءِ أَوْ بِقَتْلِ غَيْرِهِ لَهُ فِي قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ قَدْ عُدِمَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَلَا إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ لِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نَفْسٌ تُسْتَبْقَى بِبَذْلِ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ أَوْ عَيْنَ جَمَاعَةٍ أَوْ قَطَعَ أَنَامِلَ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَاقْتَصَّ مِنْهُ بِقَطْعِ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَامَ غَيْرُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ حَقِّهِ قَدْ ذَهَبَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ أَوْ يَمِينُهُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ قَدْ تَلِفَ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ لِعَدَمِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ الْيُمْنَى وَلَيْسَ لِلْجَانِي عَيْنٌ يُمْنَى حِينَ الْجِنَايَةِ أَوْ قَطَعَ يُمْنَى يَدَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ يُمْنَى فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دِيَةُ عَيْنَيْهِ أَوْ يَدِهِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ وَلَيْسَ لِلْجَانِي مِثْلُ ذَلِكَ الْعُضْوِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْنِيَ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ نَقْصَ دِيَةِ الْعَبْدِ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ يَمْنَعُ أَنْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ قَتَلَهُ أَوْ قِيمَةُ مَا جَنَى عَلَيْهِ، وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا جَرَحَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَقَالَ يَجْتَهِدُ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، وَتَحْتَمِلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْقَوَدَ وَإِذَا جَرَحَ الْحُرُّ عَبْدًا أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَادَ مِنْهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقْصُ يَدِ الْعَبْدِ عَنْ يَدِ الْحُرِّ فَلَمْ يُقَدِّمْنَهَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ كَالْحُرَّيْنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْأَدْوَنَ يُقْتَلُ بِالْأَعْلَى وَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْأَعْلَى، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَلَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ لَا يُكَافِئُهُ فِي قِصَاصِ الْأَطْرَافِ فَلَمْ يُكَافِئْهُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ كَعَبْدِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>