للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا إذَا عُفِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً) .

ــ

[المنتقى]

أَوْلِيَاءَ الصَّغِيرِ بِالْخِيَارِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الْعَقْلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ وَاحِدًا فَعَفَا عَنْ بَعْضِ الدَّمِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَإِذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ نِصْفِ الْجُرُوحِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقْتَصُّ مِنْ نِصْفِهِ اُقْتُصَّ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَالْجَارِحُ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ وَيُؤَدِّيَ نِصْفَ عَقْلِ الْجِرَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلْمَجْرُوحِ إمَّا أَنْ تَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ تَعْفُوَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْقِلَ لَهُ نِصْفَهُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا يُجْلَدُ مِائَةً وَيُسْجَنُ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْعَقْلُ فَلَمَّا لَمْ يُقْتَلْ وَجَبَ تَأْدِيبُهُ وَأُلْحِقَ بِالزَّانِي يُقْتَلُ مَعَ الْإِحْصَانِ فَإِذَا لَمْ يُقْتَلْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ سَنَةً، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ لَمَّا عَفَا عَنْهُ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ وَبَقِيَتْ لِلَّهِ عُقُوبَةٌ جَعَلْنَاهَا كَعُقُوبَةِ الزِّنَا الْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ وَجَبَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِقَسَامَةٍ عَلَى وَاحِدٍ فَعَفَا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ تَعَلَّقَتْ الْقَسَامَةُ بِجَمَاعَةٍ فَقُتِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقَسَامَةِ فَإِنَّ سَائِرَهُمْ يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً، وَيُسْجَنُ سَنَةً.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ قَدْ مَلَكُوا قَتْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَسَامَةِ فَإِذَا تَرَكُوا قَتْلَهُ بِالْقَسَامَةِ إلَى قَتْلِ غَيْرِهِ كَانَ كَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُحَقِّقَ الْوَلِيُّ الدَّمَ بِبَيِّنَةٍ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ الْحَاكِمُ فَمَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيْهِ الدَّمُ بِالْقَسَامَةِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ فَفِيهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَسَجْنُ عَامٍ، وَمَا كَانَ لَا يُوجِبُ دَمًا لِقَسَامَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَلَيْسَ فِيهِ ضَرْبٌ وَلَا سَجْنٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ إسْقَاطَهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ نَكَلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْقَسَامَةِ، وَقَدْ وَجَبَتْ لَهُمْ زَادَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرِئُوا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَلْدُ وَالسَّجْنُ قَالَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ مَالِكٍ إلَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا نَكَلُوا فَلَا جَلْدَ وَلَا سَجْنَ وَلْيَحْلِفْ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْلَمُ مِنْ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ، وَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ حُبِسَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِمَا أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ فَالضَّرْبُ وَالسَّجْنُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْقَتْلُ حَقٌّ لِلْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْأَوْلِيَاءُ حَقَّهُمْ بِالنُّكُولِ مِنْ الْقِصَاصِ لَمْ يَمْلِكُوا إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ عَفَوْا أَوْ عَفَا السُّلْطَانُ عَنْ الْجَلْدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَثْبُتْ قَبْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَتُهُ وَنُكُولُ الْأَوْلِيَاءِ يُبْطِلُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ عُقُوبَةُ سَجْنٍ وَلَا ضَرْ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَرَى فِي اللَّطْخِ ضَرْبَ مِائَةٍ وَحَبْسَ سَنَةٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا وَقَعَتْ التُّهْمَةُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا يَجِبُ بِهِ قَسَامَةٌ وَلَا قَتْلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهِ جَلْدٌ وَلَا سَجْنٌ، وَلَكِنْ يُطَالُ سَجْنُهُ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ فَعُفِيَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ قَالَ أَشْهَبُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنْ تَابَ مِنْهَا لَمْ تُزِلْ تَوْبَتُهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَقَطَ عَنْ الْحَرْبِيِّ عُقُوبَةُ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ مَجُوسِيَّةً قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَبُ الْمُؤْلِمُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>