للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَمْدًا أَوْ قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَعَفَا الْبَنُونَ وَأَبَى الْبَنَاتُ أَنْ يَعْفُونَ فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ، وَلَا أَمْرَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ)

ــ

[المنتقى]

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سَفْكُ دَمٍ مُحَرَّمٍ يُوجَبُ بِهِ الْجَلْدُ وَالسِّجْنُ، أَصْلُ ذَلِكَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَحْقُونِ الدَّمِ لِإِسْلَامِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ لَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ لَزِمَهُ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا فَعَلَيْهَا الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ، وَلَوْ قَتَلَتْ غَيْرَ سَيِّدِهَا جُلِدَتْ وَلَمْ تُحْبَسْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

الْعَبْدُ إذَا قَتَلَ حُرًّا أَوْ حُرَّةً فَلَمْ يُقْتَلْ فَلْيُجْلَدْ وَيُسْجَنْ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى أَمَةٍ حَبْسٌ وَعَلَيْهِمَا جَلْدُ مِائَةٍ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ فَدُوا، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ سَفْكَ دَمٍ مَحْقُونٍ بِحَقٍّ فَلَزِمَهُ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ فِي خِدْمَتِهِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَلْدٍ وَسَجْنٍ وَجَبَ لِأَجْلِ الْمَخْلُوقِينَ كَعُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّجْنَ إذَا اقْتَرَنَ بِالْجَلْدِ سَقَطَ فِي حَقِّ الْعَبِيدِ كَالتَّغْرِيبِ فِي الزِّنَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَعَلَى الْمَرْأَةِ إذَا قَتَلَتْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ غَيْرَهُمْ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَب وَمَالِكٌ وَأَصْبَغُ فِي الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ إذَا قُتِلَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.

(فَرْعٌ) فَبِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ذَلِكَ وَاسِعٌ يَبْدَأُ بِالْجَلْدِ أَوْ الْحَبْسِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْجَلْدِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يُؤْتَنَفُ بِهِ حَبْسُ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ جُلِدَ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَا مَضَى، وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَأْخِيرِ الْجَلْدِ تَعْرِيضٌ لِإِبْطَالِ الْحَدِّ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا قُلْنَا يُحْبَسُ سَنَةً فَمَتَى يَكُونُ أَوَّلُ الْعَامِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ مِنْ يَوْمِ الْجَلْدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقَيَّدُ مَا دَامَ اللَّطْخُ الَّذِي سُجِنَ فِيهِ فَإِذَا لَزِمَهُ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ أُزِيلَ عَنْهُ الْحَدُّ بِهِ، وَسُجِنَ سَنَةً فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ السَّنَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَأَمَّا السَّجْنُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِاسْتِبْرَاءِ أَمْرِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فِي شَيْءٍ بَلْ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ التَّعْيِيرِ وَغَيْرِهِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْبَنِينَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي وِلَايَةِ دَمِ الْعَمْدِ أَنَّ الْبَنِينَ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ مِنْ الْبَنَاتِ، وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبَنُونَ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ قَضَى بِهِ الِابْنُ إنْ كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ مُخَالَفَتُهُ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَالِكًا اخْتَلَفَ فِي النِّسَاءِ هَلْ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الدَّمِ أَمْ لَا فَقَالَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِيهِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ» فَعَمَّ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَوَارِيثِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ وِلَايَةَ الدَّمِ مُسْتَحَقَّةٌ بِالنُّصْرَةِ وَلَيْسَ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْوِلَايَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِهَا.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ لَهُنَّ مَدْخَلٌ رِوَايَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْقَوَدِ دُونَ الْعَفْوِ، وَالثَّانِيَةُ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْعَفْوِ دُونَ الْقَوَدِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُنَّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُنَّ الْمُطَالَبَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ ذُكُورًا فَهُمْ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ لَهُمْ الْقَوَدُ دُونَ الْعَفْوِ، وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ قَوَدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ حِصَّتُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَبَى الْقَاتِلُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَتِيلِ وَلِيٌّ غَيْرُ إخْوَةٍ ذُكُورٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَّا مَنْ عَدَا الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةَ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَعْمَامِ وَالْمَوَالِي وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ فَنَكَلَ بَعْضُ الْعَصَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>