للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَذَلِكَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُمْنَى أَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَطْعَ أَوَّلَ مَرَّةٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى فَإِذَا مَنَعَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مَانِعٌ انْتَقَلَ إلَى الْيَدِ الْيُسْرَى وَبَقِيَ الْقَطْعُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى عَلَى مَا كَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخِلَافَ مَشْرُوعٌ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَانْتَقَلَ إلَى الْيُسْرَى وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ قَطْعُ الرِّجْلِ إلَى الْيُمْنَى، وَبِذَلِكَ يُوجَدُ الْخِلَافُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) وَالْقَطْعُ فِي الْيَدَيْنِ مِنْ الْكُوعِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ {وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] .

وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] فَكَانَ الْقَطْعُ فِي الْحِرَابَةِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ الْمُحَارِبَ يُقْطَعُ فِي يَسِيرِ مَا يَأْخُذُهُ وَكَثِيرِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِصَابٌ وَالسَّرِقَةُ يُعْتَبَر فِيهَا النِّصَابُ؛ لِأَنَّ آيَاتِهَا مَخْصُوصَةٌ بِالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحِرْزُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَإِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا النَّفْيُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ يُؤْخَذُ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّفْيُ الْمُرَادُ بِهِ فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ هُوَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ وَحَبْسُهُمْ فِيهِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: وَإِنَّ جَلْدَهُ مَعَ النَّفْيِ لَضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ لَمْ أَعِبْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُنْفَى وَيُحْبَسُ حَيْثُ يُنْفَى إلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، قَالَ أَصْبَغُ يُكْتَبُ إلَى عَامِلِ الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِجِلْدِهِ حَدٌّ إلَّا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ فِيهِ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إذَا اسْتَحَقَّ عِنْدَهُ النَّفْيَ فَلْيَضْرِبْهُ وَيَسْجُنْهُ بِبَلَدِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا نَفْيٌ وَتَغْرِيبٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عِنْدَنَا النَّفْيُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْفَى مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ يُسْجَنُ بِهَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَبُوا فَيَخْتَفُونَ، وَأَنْتُمْ تَطْلُبُونَهُمْ لِتُقَامَ عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا ظَفَرَ بِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْدَى ثَلَاثِ عُقُوبَاتٍ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوْ الْقَطْعُ هُوَ فِي ذَلِكَ مُخَيَّرٌ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ.

وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَفْيٌ وَجَلْدٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْقَتْلِ فَكَانَ نَفْيًا وَتَغْرِيبًا إلَى بَلَدٍ آخَرَ كَتَغْرِيبِ الزَّانِي.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ حُكْمُ النَّفْيِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأَحْرَارِ، وَأَمَّا الْعَبِيدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالزِّنَا.

وَقَالَ رَبِيعَةُ لَا يُنْفَى الْمُسْلِمُ الْمُحَارِبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَلَكِنْ يُسْجَنُ فِي أَرْضِ الْقَرْيَةِ.

(فَصْلٌ) :

إذَا أُخِذَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنْ لَا عَفْوَ فِيهِ لِإِمَامٍ وَلَا وَلِيِّ قَتِيلٍ وَلَا لِرَبِّ مَتَاعٍ، وَهُوَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا شَفَاعَةَ فِيهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا رَأَى الْقَاضِي فِي مُحَارِبٍ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ مَنْ قَتَلَ فَعَفَوْا عَنْهُ فَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ هُوَ حُكْمٌ قَدْ نَفَذَ لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ.

وَقَالَ أَشْهَبُ يُنْقَضُ وَيُقْتَلُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا عَفْوَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ يُرِيدُ أَشْهَبُ أَنَّ الشَّاذَّ لَا يُعَدُّ خِلَافًا، وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ اللُّصُوصِ قَتِيلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ اسْتَوْجَبَ جَمِيعُهُمْ الْقَتْلَ، وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ إذَا قَتَلَ أَحَدُهُمْ وَكَانَ سَائِرُهُمْ رِدْءًا وَأَعْوَانًا لَمْ يُبَاشِرُوا الْقَتْلَ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ يُقْتَلُونَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ إلَّا الْقَاتِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>