للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْوَقِيعَةَ يُشَارِكُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ فَكَذَلِكَ هَذَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

لَا يُرَاعَى فِي الْقَتْلِ بِالْحِرَابَةِ تَكَافُؤُ الدِّمَاءِ فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَنْ يُكَافِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا قَتْلٌ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِعَدَمِ التَّكَافُؤِ، أَصْلُ ذَلِكَ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِ قِصَاصٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْحِرَابَةِ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إذَا رَأَى غَيْرَهُ أَفْضَلَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقَتْلِ إذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ تَغَلَّظَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَتْلٌ عَلَى وَجْهِ الْحِرَابَةِ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَإِذَا تَابَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ مَالِكٌ فِي تَوْبَةِ الْمُحَارِبِ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْ يَأْتِيَ لِلسُّلْطَانِ، وَإِنْ أَظْهَرَ تَوْبَتَهُ عِنْدَ جِيرَانِهِ وَأَخْلَدَ إلَى الْمَسَاجِدِ حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَجَائِزٌ أَيْضًا، قَالَ أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ إنْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ وَعُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَرْكٌ مَعْرُوفٌ بَيِّنٌ يَبُوحُ بِهِ وَبِالتَّوْبَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ لَمْ تَكُنْ تَوْبَتُهُ إلَّا إتْيَانَهُ السُّلْطَانَ وَقَوْلَهُ جِئْتُك تَائِبًا لَمْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُظْهِرَ تَوْبَتَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤] ، يُرِيدُ أَنَّ هَذَا قَدْ قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ إتْيَانَهُ السُّلْطَانَ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ هُوَ نَفْسُ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] إظْهَارُ التَّوْبَةِ وَاعْتِقَادُهَا بِالْقَلْبِ فَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهَا، وَإِذَا أَتَى الْمُحَارِبُ السُّلْطَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ تُسْقِطُ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَدِّ الْحِرَابَةِ وَيُتَّبَعُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِحَسْبِ مَا لَوْ فَعَلَهَا بِغَيْرِ حِرَابَةٍ فَإِنْ قَتَلَ فِي حِرَابَتِهِ قُتِلَ بِهِ قَتْلَ قِصَاصٍ فَاعْتُبِرَتْ الْمُكَافَأَةُ فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِعَبْدٍ وَلَا بِذِمِّيٍّ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ، وَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ إنْ شَاءَ ذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَيَجُوزُ عَفْوُهُمْ، وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ لِعَدَمِ مُكَافَأَةٍ أَوْ لِعَفْوٍ ضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً، حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حُقُوقَ الْبَارِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَبَقِيَتْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَاعْتُبِرَ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِهِمْ إذَا تَجَرَّدَتْ.

وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ إذَا تَابَ الْمُحَارِبُ، وَقَدْ كَانَ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي حِرَابَتِهِ لَمْ يُوضَعْ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْحِرَابَةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا قَتَلَ أَحَدُ الْمُتَحَارِبِينَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إذَا وَلِيَ أَحَدُ الْمُحَارِبِينَ قَتْلَ رَجُلٍ مِمَّنْ قَطَعُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَاوِنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قُتِلُوا أَجْمَعِينَ وَلَا عَفْوَ فِيهِمْ لِإِمَامٍ وَلَا لِوَلِيٍّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ تَابُوا كُلُّهُمْ فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلَهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَهُمْ قَتْلُ مَنْ شَاءُوا وَالْعَفْوُ عَمَّنْ شَاءُوا عَلَى دِيَةٍ أَوْ دُونَ دِيَةٍ.

وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَدُّ الْحِرَابَةِ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ وَلِيَ الْقَتْلَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ أَمْسَكَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَلَا يُقْتَلُ الْآخَرُونَ وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالًا فَقُدِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ أَخَذَ الْمَالَ أَحَدُهُمْ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ غُرْمُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَالِ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةً أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، وَلَوْ تَابَ أَحَدُهُمْ وَقَدْ اقْتَسَمُوا الْمَالَ فَإِنَّ هَذَا التَّائِبَ يَغْرَمُ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ إنَّمَا قَوِيَ بِهِمْ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا نَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا أَخَذَ فَعَلَى هَذَا سَلَّمَ أَشْهَبُ فِي الْمَالِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>