للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغٌ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغٍ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ــ

[المنتقى]

الشَّامِ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْضِعَ إقَامَتِهِ بِالشَّامِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ بَعْدُ مَوْضِعَ الْوَبَاءِ، فَلَوْ كَانَ مَوْضِعُهُ يُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ وَلَا وَبَاءَ بِهِ لَمَا احْتَاجَ إلَى الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِانْصِرَافِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَنْجُو بِذَلِكَ وَيُنْجِي الصَّحَابَةَ مِنْ الْوَبَاءِ الَّذِي لَا يُصِيبُ إلَّا مَنْ قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُصِيبَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهُ مَنْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ لَا يُصِيبَهُ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: وَكَانَ عُمَرُ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَيَكْرَهُ مُخَالَفَتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا تَحَقَّقَ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَانَتِهِ فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى يُرِيدُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ لَنَكَّلْته نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ أَنَّهُ بِالْفِرَارِ يَنْجُو مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَمَّا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَبَاءِ إنْ وَصَلَ إلَى مَا يَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ قُدِّرَ لَهُ مِنْ السَّلَامَةِ إنْ رَجَعَ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ الدِّرْعَ وَالْمِجَنَّ وَيَفِرَّ مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِي يَجُوزُ الْفِرَارُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ وَيَجْتَنِبَ الْغَرَرَ وَالْمَخَاوِفَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْجُوَ بِهِ مِمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَكْثَرُهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَمْثِيلًا صَحِيحًا بِمَا سَلَّمَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ أَنَّ مِنْ كَانَتْ لَهُ إبِلٌ يُرِيدُ حِفْظَهَا، وَحُسْنَ الْقِيَامِ عَلَيْهَا فَهَبَطَ بِهَا وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا خِصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إنْ رَعَى الْخِصْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ رَعَى الْجَدْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، يُرِيدُ أَنَّهُ مِثْلُ أَمْرَهُ إنْ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ يَأْمَنُ بِهِ الْوَبَاءَ انْصَرَفَ بِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ أَقْدَمَهُمْ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوَبَاءِ أَقْدَمَهُمْ عَلَيْهِ بِقَدَرِ اللَّهِ، فَكَمَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْإِبِلِ أَنْ يَنْزِلَ بِهَا الْجَانِبَ الْخِصْبَ، وَلَا يُعَدُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ فَارٌّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ بَلْ مُصِيبًا مَحَبَّتَنَا مُمْتَثِلًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَمُسَلِّمًا لِقَدْرِهِ وَرَاجِيًا خَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ الْإِمَامُ بِالْمُسْلِمِينَ إذَا انْصَرَفَ بِهِمْ عَنْ بِلَادِ الْوَبَاءِ إلَى بِلَادِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ إنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا يَقْتَضِي أَنَّ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الرَّأْيِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ صَحَّحَهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَثَرٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا غَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ شَاعَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» يُرِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ اسْتِسْلَامًا لِلْأَقْدَارِ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ إذْ وَافَقَ رَأْيُهُ الَّذِي اخْتَارَهُ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغٌ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغٍ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>