للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغٍ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ لِطُولِ الْأَعْمَارِ وَالْبَقَاءِ وَلِشِدَّةِ الْوَبَاءِ بِالشَّامِ) .

ــ

[المنتقى]

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغٍ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ وَحَدَثَ بِالنَّاسِ حَدَثَ بِهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِي بَلَدٍ عَلَى أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَأَنَّهُ تَكَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا لِأُولَئِكَ وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَنْ ظَهَرَ بِبَلَدِهِ أَوْ قَامَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَأُصِيبَ بِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَمْنَعُ الطَّاعُونَ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» خَصَّ بِالْمَنْعِ الْخُرُوجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَجَوَّزَ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ حَاجَةٍ تَنْزِلُ بِهِ إلَى السَّفَرِ مِنْهُ أَوْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ، وَيَجُوزُ لِمَنْ اسْتَوْخَمَ أَرْضًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُوَافِقُ جِسْمَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ سَالِمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا نَادَى بِهِ عُمَرُ فِي النَّاسِ أَنَّهُ مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَمَا رَاجَعَهُ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ إنْكَارِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَتَأَوَّلَ فِي قَوْلِهِ إنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ أَيْ عَلَى سَفَرٍ أَبْهَمَهُ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، وَإِنَّمَا أَبْقَى الِاسْتِخَارَةَ فِيهِ وَمُعَاوَدَةَ الْمُشَاوَرَةِ إلَى الْغَدِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ لَهُ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِارْتِيَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا وَالتَّوَقُّفِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ لِطُولِ الْأَعْمَارِ وَالْبَقَاءِ وَلِشِدَّةِ الْوَبَاءِ بِالشَّامِ) .

(ش) : قَوْلُهُ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى رُكْبَةُ هِيَ أَرْضُ بَنِي عَامِرٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِ.

وَقَالَ ابْنُ قَعْنَبٍ رُكْبَةُ مِنْ أَرْضِ الطَّائِفِ فِي أَرْضٍ مُصَحَّحَةٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَهِيَ أَرْضٌ صَحْرَاوِيَّةٌ فَأَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ سَاكِنِيهَا أَطْوَلُ أَعْمَارًا وَأَصَحُّ أَبْدَانًا مِنْ الْوَبَاءِ وَالْمَرَضِ مِمَّنْ سَكَنَ الشَّامَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْبُلْدَانِ قَالَ عِيسَى، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنَّ سُكْنَى الْأَرْضِ يَزِيدُ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْمَارَهُمْ طَوِيلَةً أَسْكَنَهُمْ تِلْكَ الْبَلْدَةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُرِيدُ صِحَّةَ رُكْبَةَ وَوَبَاءَ الشَّامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِصِحَّةِ مَنْ سَكَنَ رُكْبَةَ وَطَوَّلَ أَعْمَارَهُمْ، وَأَمْرَضَ مَنْ سَكَنَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَرَادَ مِنْ الشَّامِ وَقَصَّرَ أَعْمَارَهُمْ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ رُكْبَةَ وَمَا قَارَبَهَا كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ تَنَاوَلَ نَوْعًا مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ صَحَّ جِسْمُهُ، وَمَنْ تَنَاوَلَ نَوْعًا آخَرَ كَثُرَتْ أَمْرَاضُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمْرَاضُ مُعَلَّقَةً بِالْقَدَرِ تَعَلُّقَ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>