اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خُلِقَ الْعَبْدُ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ» ) .
ــ
[المنتقى]
(ش) : قَوْلُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ تَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ، وَتَبْحَثُ عَنْ حَقَائِقِهَا وَتَعْتَنِي بِذَلِكَ حَتَّى تُظْهِرَهُ وَتَسْأَلُ عَنْهُ الْأَئِمَّةَ وَالْخُلَفَاءَ لِتَقِفَ عَلَى الصَّوَابِ مِنْهُ، وَتَنْقُلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ مَا حَفِظَتْهُ عَنْهُ، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ تَزِلَّ قَدَمُهُ وَيَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِشُبْهَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَانَ يُقَالُ لَا تُمَكِّنْ زَائِغَ الْقَلْبِ مِنْ أُذُنِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا يُقْلِقُك مِنْ ذَلِكَ، وَلَقَدْ سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْقَدَرِ فَعَلَقَ قَلْبَهُ فَكَانَ يَأْتِي إخْوَانَهُ الَّذِينَ يَسْتَصْحِبُهُمْ فَإِذَا نَهَرَهُ قَالَ فَكَيْفَ بِمَا عَلَقَ قَلْبِي لَوْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ أَنْ أُلْقِيَ نَفْسِي مِنْ فَوْقِ هَذِهِ الْمَنَارَةِ فَعَلْت، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمُخَالِفِي السُّنَّةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّ لَهُ يَمِينًا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: ٦٧] » وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا فِي يَدِهِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ أَوْ الْفَيْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الَّذِي يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: ٦٤] » .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَلَمَ خَلَقَهُ فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ يَدَيْهِ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِجَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى أُصْبُعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَنْهَارَ عَلَى أُصْبُعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى أُصْبُعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَجُّبًا مِنْهُ وَتَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأُصْبُعُ النِّعْمَةُ.
١ -
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ يَقْتَضِي» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيُدْخِلَهُمْ النَّارَ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيَعْمَلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيَعْمَلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ الْمَلَكَ فَيُؤَذِّنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute