للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَرَكْت فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ «عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ قَالَ طَاوُسٌ وَسَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ» ) .

ــ

[المنتقى]

وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلَ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سَبَقَ الْكِتَابُ بِمَا يَعْمَلُ وَبِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ عَمَلًا صَالِحًا، ثُمَّ فِي آخِرِهِ عَمَلًا سَيِّئًا، ثُمَّ يَمُوتُ عَلَيْهِ وَيَنْقَلِبُ إلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ عَمَلًا سَيِّئًا وَفِي آخِرِهِ عَمَلًا صَالِحًا، ثُمَّ يَمُوتُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ إلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ» مَعْنَاهُ فَإِذَا كَانَ قَدْ يَسْبِقُ الْكِتَابُ بِمَكَانِ أَحَدِنَا مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَلِمَ نَتَكَلَّفُ الْعَمَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِذَا خَلَقَهُ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِمَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ كَمَا قَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: ٥] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٦] الْآيَةَ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ، وَفِي أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ» يَقْتَضِي أَنَّ آخِرَ الْإِنْسَانِ أَحَقُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُجَازَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ عَمَلِهِ سَيِّئًا، وَآخِرُهُ حَسَنًا فَقَدْ تَابَ مِنْ السَّيِّئِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّائِبِينَ وَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إلَى السَّيِّئِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَالْمُنْتَقِلِ إلَى الْفُسُوقِ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ جَزَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَرَكْت فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا» عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ عَلَى تَعَلُّمِهَا أَوْ التَّمَسُّكِ بِهِمَا وَالِاقْتِدَاءِ بِمَا فِيهِمَا وَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ «كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا سَنَّهُ وَشَرَّعَهُ، وَأَنْبَأَنَا عَنْ تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ فَمَرْدُودٌ إلَيْهِمَا وَمُعْتَبَرٌ بِهِمَا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَاَلَّذِي يَحْكُمُ بِالْقُرْآنِ فَذَلِكَ الصَّوَابُ، وَاَلَّذِي يُجْهِدُ الْعَالِمُ نَفْسَهُ فِيهِ فِيمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يُوَفَّقُ، وَثَالِثٌ مُتَكَلِّفٌ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَمَا أَشْبَهَ أَنْ لَا يُوَفَّقَ مُقْتَضَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُقَدَّمٌ فِيمَا فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَمَا عُدِمَ ذَلِكَ فِيهِ اجْتَهَدَ الْعَالِمُ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَالرَّدِّ إلَى مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَكَلِّفٌ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَبِمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ، وَيُوشِكُ أَنْ لَا يُوَفَّقَ.

(ش) : قَوْلُ طَاوُسٍ أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ عَلَى وَجْهِ التَّصْحِيحِ لِمَا حَكَاهُ لِفَضْلِ الْقَابِلِينَ لَهُ وَعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>