للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» ) .

ــ

[المنتقى]

بَعْضًا لِغَيْرِ مَعْنًى مُوجِبٍ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَفِي الْمُزَنِيَّةِ لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَعْنَى لَا تَبَاغَضُوا لَا يَبْغُضْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يُبَغِّضْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إلَى بَعْضٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَحَاسَدُوا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَحْسُدُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَلَى نِعْمَةٍ خَوَّلَهُ اللَّهُ إيَّاهَا وَأَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَقُولَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ فَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: ٥] .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: ٣٢] وَذَلِكَ مِنْ وَجْهِ التَّحَاسُدِ، وَهَذَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَمَنَّى لِنَفْسِك مِثْلَ مَا عِنْدَ أَخِيك مِنْ أَمْرِ دِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَا تُرِيدُ أَنْ يَزُولَ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَفَاعِلُهُ غَيْرُ مَذْمُومٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةٍ عِنْدَ أَخِيك الْمُسْلِمِ سَوَاءً أَرَدْت انْتِقَالَهَا إلَيْك أَوْ لَمْ تُرِدْ فَهَذَا الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ الْحَسَدُ وَالْكِبْرُ وَالشُّحُّ حَسَدَ إبْلِيسُ وَتَكَبَّرَ عَلَى آدَمَ وَشَحَّ آدَم فَقِيلَ لَهُ كُلْ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ كُلِّهَا إلَّا الَّتِي نَهَى عَنْهَا، فَشَحَّ فَأَكَلَ مِنْهَا وَفِي الْمُزَنِيَّةِ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَحَاسَدُوا» أَنْ تُنَافِسَ أَخَاك فِي الشَّيْءِ حَتَّى تَحْسُدَهُ عَلَيْهِ فَيَجُرَّ ذَلِكَ إلَى الطَّعْنِ وَالْعَدَاوَةِ فَذَلِكَ الْحَسَدُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَدَابَرُوا» قَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ يَقُولُ لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِك عَنْ أَخِيك تُوَلِّهِ دُبُرَكَ اسْتِثْقَالًا لَهُ وَبُغْضًا بَلْ أَقْبِلْ عَلَيْهِ وَأَبْسِطْ لَهُ وَجْهَك مَا اسْتَطَعْت قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ يُرِيدُ ظَنَّ السُّوءِ وَمَعْنَاهُ أَنْ تُعَادِيَ أَهْلَكَ وَصَدِيقَكَ عَلَى ظَنٍّ تَظُنُّهُ بِهِ دُونَ تَحْقِيقٍ، أَوْ تُحَدِّثُ بِأَمْرٍ عَلَى مَا تَظُنُّهُ فَتَنْقُلُهُ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْته، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَحْكُمَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ دُونَ إعْمَالِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ بِدَلِيلٍ.

وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٦] .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِإِثْمٍ، وَهُوَ مَا يُوصَلُ إلَى الْحُكْمِ فِيهِ بِالنَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَجَسَّسُوا» رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ «وَلَا تَجَسَّسُوا» لَا يَلِ أَحَدُكُمْ اسْتِمَاعَ مَا يَقُولُ فِيهِ أَخُوهُ أَوْ يُقَالُ فِي أَخِيهِ وَلَا تَحَسَّسُوا أَيْ لَا تُرْسِلْ مَنْ يَسْأَلُ لَك عَمَّا يُقَالُ فِي أَخِيك مِنْ الشَّرِّ، وَمَا يُقَالُ فِيك.

وَقَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى مِثْلَهُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ هِيَ كَلِمَةٌ مُتَصَرِّفَةٌ يُرِيدُ بِهَا أَنْ لَا يَتَجَسَّسَ الْإِنْسَانُ عَلَى أُمُورِ أَخِيهِ الَّتِي يَخَافُ أَنْ يَعِيبَهُ وَيَسُبَّهُ وَلَا يُكْثِرَ السُّؤَالَ عَمَّا يَكْرَهُ أَخُوهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ إخْوَانًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُتَوَاخِينَ مُتَوَادِّينَ.

(ش) : مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُصَافَحَةَ بِالْأَيْدِي.

وَقَدْ «قَالَ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْمُصَافَحَةُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَصَافَحَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ لَوْلَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ لَعَانَقْتُك فَقَالَ سُفْيَانُ عَانَقَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْك النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ خَاصٌّ قَالَ سُفْيَانُ بَلْ هُوَ عَامٌّ مَا يَخُصُّ جَعْفَرًا يَخُصُّنَا وَمَا يَعُمُّهُ يَعُمُّنَا إذَا كُنَّا صَالِحِينَ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُصَافَحَةَ وَالْمُعَانَقَةَ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُحْتَمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>