للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا» ) .

ــ

[المنتقى]

أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْحَدِيثِ بِالْمُصَافَحَةِ أَنْ يُصْفِحَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ الصَّفْحِ وَهُوَ التَّجَاوُزُ وَالْغُفْرَانُ وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ الْغِلَّ فِي الْأَغْلَبِ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِمَنْعِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: ٢٥] وَلَمْ يَذْكُرْ مُصَافَحَةً، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُذْهِبُ الْغِلَّ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْعَدَاوَةَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا صَفَحَ عَنْ أَخِيهِ، وَصَفَحَ عَنْهُ أَخُوهُ ذَهَبَ مَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ الْغِلِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا تَصَافَحَا بِالْأَيْدِي لِأَنَّهَا نِهَايَةُ مَا يَتَوَدَّدُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَالْمُوَاصِلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّوَاصُلِ الَّتِي تُؤَكِّدُ الْمَوَدَّةَ.

وَقَدْ «قَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدِيَّةَ. وَقَالَ لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْت» ، وَهَذَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُثِيبُ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَالثَّانِي أَنَّ فَضْلَهُ وَعِصْمَتَهُ ثَبَتَتْ بِالْبَرَاهِينِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْعِلْمُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّنْ إلَيْهِ النَّظَرُ فِي أُمُورِ النَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ أَوْ حَاكِمٍ فَلَا.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُصْفَحُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ، وَيَثْبُتُ فِيهَا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الدَّرَجَةُ الرَّفِيعَةُ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ فَتْحِ أَبْوَابِهَا، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ عَنْ الْإِقْبَالِ عَلَى الْأَمْرِ وَالْإِنْعَامِ فَيُقَالُ فَتَحَ فُلَانٌ بَابَ طَعَامِهِ وَبَابَ عَطَائِهِ فَلَا يُغْلِقُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَيُقَالُ فِي مُشَاهَدَةِ حَرْبِ الْعَدُوِّ قَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وُجِدَتْ أَسْبَابُ دُخُولِهَا وَغُفْرَانُ الذُّنُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْهَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تُعْرَضُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ عَرْضَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِ بِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ الْغُفْرَانِ لَهُ فَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ قَدْ فُتِحَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَلَامَةً عَلَى الْغُفْرَانِ وَالْإِحْسَانِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْغُفْرَانَ الَّذِي يَكُونُ بِمَعْنَى فَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَلَامَةً عَلَيْهِ تَعُمُّ كُلَّ مُسْلِمٍ إلَّا مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ تَحْذِيرًا مِنْ بَقَاءِ الشَّحْنَاءِ، وَهِيَ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحَضًّا عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْ ذَلِكَ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ إلَى التَّوَدُّدِ وَالْمُؤَاخَاةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] وَقَالَ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخِّرُوا الْغُفْرَانَ لَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا أَيْ يَرْجِعَا إلَى الصُّلْحِ، أَوْ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَبْيِينًا مِنْ الرَّاوِي وَمَعْنَى اُتْرُكُوا أَخِّرُوا يُقَالُ تَرَكْت الشَّيْءَ أَخَّرْته وَتَرَكْت فِي الْأَمْرِ أَخَّرْت قَالَهُ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>