مَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهُ مِنْ الثِّيَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى
ــ
[المنتقى]
أَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «أُهْدِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبَ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمَسُهُ وَنَعْجَبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِنْ الِانْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لُبْسُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
١ -
وَأَمَّا سِتْرُ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُعَلَّقَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا تَزَوَّجْت قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذْت أَنْمَاطًا قُلْت: وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ فَقَالَ أَمَا أَنَّهَا سَتَكُونُ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ فَأَنَا أَقُولُ نَحِّهِ عَنِّي وَتَقُولُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَكُونُ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ جَابِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْمَاطًا تُعَلَّقُ بِمَعْنَى السُّتُورِ، وَأَمَّا اللِّحَافُ يَرْتَدِي فِيهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ رَايَةٌ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلِبَاسٍ مُعْتَادٍ.
(فَصْلٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا فِي حَالِ السَّلْمِ فَأَمَّا لِبَاسُهُ فِي الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ بِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ.
وَقَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ وَالْمُبَاهَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَحِيحٌ، وَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
وَأَمَّا لُبْسُهُ لِلْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ «وَأَرْخَصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلِلزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا» ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ بِهِمَا» وَرَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّهُمَا شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي غُزَاةٍ لَهُمَا» ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَرْخَصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي السَّفَرِ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِمَا فَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ، وَزَادَ هَمَّامُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِتِلْكَ الْغُزَاةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَا يُلْبَسُ الْحَرِيرُ فِي غَزْوٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا يُقْتَدَى بِهِ فِي لُبْسِهِ فِي الْغَزْوِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ لَكِنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاتُهُ فِيهِ، وَحَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْحَصْرِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِمُدَّةٍ، وَذَلِكَ يَنْفِي مُشَارَكَتَهُمَا لِغَيْرِهِمَا فِي مُدَّتِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِالْحَدِيثَيْنِ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الدُّنْيَا، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ لَبِسَهُ لُبْسًا مُسْتَمِرًّا فِي غَزْوٍ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ لَبِسَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا لَبِسَاهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ مِمَّا يُوَازِيهِ فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي لُبْسِهِ لِذَلِكَ، وَهَذَا مُبَاحٌ بِإِجْمَاعٍ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ جَازَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute