للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَك فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا» )

ــ

[المنتقى]

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَك فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا» ) (ش) : قَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِزَوْجِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَقَدْ سَمِعْت صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قَدْ تُبْتَلَى بِالْجُوعِ وَالْآلَامِ لِيَعْظُمَ ثَوَابُهُمْ وَتُرْفَعَ دَرَجَاتُهُمْ بِمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَلَحِقَهُمْ فِيهَا مِنْ الْجُوعِ وَالشِّدَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ١٥٥] وَاسْتِدْلَالُ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى مَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجُوعِ بِضَعْفِ صَوْتِهِ يَدُلُّ عَلَى صَبْرِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدَ مَا ضَعُفَ بِهِ صَوْتُهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْبَعُ مِنْ أَقَلِّ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شِبَعٌ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ الْغِنَى وَالْيَسَارِ لَا يَشْبَعُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا دُونَ الشِّبَعِ وَيُؤْثِرُ بِمَا كَانَ يُبْلِغُهُ الشِّبَعَ لَوْ تَنَاوَلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْبَعُ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الشِّبَعُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ جَائِعٌ إذَا وُصِفَ بِذَلِكَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ فَهَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْتِمَاسِ مَا يُهْدِيهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُمْسِكَ بِهِ رَمَقَهُ وَيُقَلِّلَ مِنْ ضَعْفِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَا عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْقُوتِ لَمَا احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَهَا هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ أَمْ لَا هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ مَالًا وَنَخْلًا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ شِدَّةٍ شَامِلَةٍ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ نَعَمْ وَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا كَانَ عِنْدَهَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تُرْسِلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَفْضَلَ مَا عِنْدَهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَفَاخَرُ بِحُسْنِ الْقِرَى وَسَعَتِهِ وَأَرْسَلَتْ بِهَذَا إلَى الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَلَمْ يَكُنْ يُرْسِلُ إلَّا بِمَا يُمْدَحُ بِهِ دُونَ مَا يُذَمُّ بِهِ وَقَدْ تَنَاوَلَتْ ذَلِكَ بِأَفْضَلِ مَا أَمْكَنَهَا بِأَنْ لَفَّتْ أَقْرَاصَ الشَّعِيرِ بِخِمَارٍ وَرَدَّتْ أَنَسًا بِبَعْضِهِ لِأَنَّ كُلَّ مُهْدٍ يُحِبُّ أَنْ يُجَمِّلَ هَدِيَّتَهُ وَيُحَسِّنَهَا وَيُلْبِسَهَا أَفْضَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُرَدُّ إلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ أَرَاهُ كَانَ مِنْ صُوفٍ، أَوْ كَتَّانٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَرِيرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَوَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ يَقْتَضِي أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِهَذِهِ الْهَدِيَّةِ دُونَ أَنْ تُرْسِلَهَا إلَى دَارٍ مِنْ دُورِ نِسَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمَتْ مِنْ شُمُولِ الْمَجَاعَةِ لِجَمِيعِ أَزْوَاجِهِ فَوَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَصْرِفَ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمُوَاسَاةِ أَوْ إيثَارِ مَنْ رَأَى إيثَارَهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامَ أَنَسٍ عَلَيْهِمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ تَوَهَّمَ مَا أَتَى بِهِ فَسَأَلَ عَنْهُ تَحَقُّقًا لَهُ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ قَالَ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ قُومُوا وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ مَا يَحْمِلُهُ أَنَسٌ تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْخُبْزِ لَا يَكْفِي الْعَدَدَ الْيَسِيرَ مِنْهُمْ مَعَ الْمَجَاعَةِ وَشِدَّةِ الْحَالِ فَكَيْفَ بِأَنْ يَفْضُلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَعْلُومِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِوَحْيٍ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ سَيَكْفِي ذَلِكَ الْيَسِيرُ جَمِيعَهُمْ وَلَوْ جَرَى فِيهِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>