للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْمَعْهُودِ وَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ لَمَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ لَا يَكَادُ يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا الْمَنْفَعَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا تُذْهِبُ جُوعًا وَلَا تَرْتَجِعُ قُوَّةً.

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ «فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا كَانَ شَيْءٌ يَسِيرٌ قَالَ: نَعْلَمُهُ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنَّمَا سَاغَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ الْقَوْمَ إلَى طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ دَعَاهُ أَبُو شُعَيْبٍ خَامِسَ خَمْسَةٍ لِطَعَامٍ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذَا تَبَعٌ فَإِنْ شِئْت أَذِنْت لَهُ وَإِنْ شِئْت تَرَكْته فَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ قَدْ أَذِنْت لَهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ لَمَّا عَلِمَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ يَسُرُّهُ ذَلِكَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَغَيْرُهُ أَظْهَرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ يَسُرُّهُ أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِ سَبْعِينَ، أَوْ ثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَدْ كَانَ أَبُو شُعَيْبٍ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَسُرُّهُ زِيَادَةُ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ لَكِنَّهُ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ بَعْدَهُ لَمَّا كَانَتْ حَالُهُ تُشَارِكُهُمْ فِيهَا.

وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ فَتَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي الطَّعَامِ الَّتِي بِهَا كَفَى الْعَدَدَ الْكَثِيرَ لَمْ تَكُنْ مِنْ قِبَلِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَرَكَةَ فَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا وَمَا كَانَ لِأَبِي طَلْحَةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ بِمَنْزِلِهِ لَمَّا كَانَ سَبَبَهَا وَهَذِهِ بَرَكَةٌ خُصَّ بِهَا يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يَرْغَبُ فِيهَا وَيَحْرِصُ عَلَيْهَا إذَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا وَقَدْ دَعَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ وَهُمْ أَلْفٌ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جَابِرٍ إلَى صَاعِ بَعِيرٍ وَبَهِيمَةٍ صَنَعَهَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَهُ: تَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَك، وَأَعْلَمَهُ بِقَدْرِ مَا صَنَعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ فِي ذَلِكَ جَابِرًا لَمَّا كَانَ الَّذِي يَكْفِي أَهْلَ الْخَنْدَقِ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ جَابِرٍ وَإِنَّمَا هِيَ بَرَكَةٌ تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا وَخَصَّ بِهَا مَنْزِلَ جَابِرٍ لَمَّا كَانَ سَبَبُهَا مِنْ عِنْدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ الْأَقْرَاصَ الَّتِي دَعَا إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنِينَ قَدْ كَانَتْ أُهْدِيَتْ لَهُ وَمَلَكَهَا بِالْقَبُولِ فَإِنَّمَا دَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ إلَى طَعَامٍ قَدْ مَلَكَهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جَشَّتْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَجَعَلَتْ مِنْهُ قَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ عُكَّةً، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَوْته قَالَ: وَمَنْ مَعِي فَجِئْت فَقُلْت: إنَّهُ يَقُولُ وَمَنْ مَعِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى فِي رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَكَلُوا حَتَّى فَضَلَ ذَلِكَ الثَّمَانِينَ رَجُلًا، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ وَتَرَكُوا سُؤْرًا وَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ يَقْتَضِي إشْفَاقَهُ مِنْ قِلَّةِ طَعَامِهِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَتَى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقِلَّ طَعَامُهُمْ عَنْ أَكْلِهِ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ رَأَى قَدْرَ الطَّعَامِ وَرَأَى قَدْرَ مَنْ يَأْتِي مَعَهُ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَعْنًى يَرْجُوهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَلَقِّي أَبِي طَلْحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالْبِرِّ بِالضَّيْفِ الْقَادِمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أُمَّ سُلَيْمٍ هَلُمِّي مَا عِنْدَك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقْرَاصَ الَّتِي دَعَا بِهَا أَنَسٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا عِنْدَهَا مِنْ إدَامٍ تَأْدِمُهُ بِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَ أَنَسٍ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ ظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ بَرَكَةَ الثَّرِيدِ وَأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>