للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ) .

ــ

[المنتقى]

وَلَكِنَّهَا جَمَعَتْهُمَا فِي اللَّفْظِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: أَنَّ صِفَتَهُمَا وَطُولَهُمَا وَحُسْنَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْأَرْبَعَ الْأُخَرَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ الْحُسْنِ وَالطُّولِ حَظَّهَا.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِآيَاتٍ لِأُوَلِي الْأَلْبَابِ فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَامَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَضْلِ وَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْوِتْرِ فِي الْحُسْنِ وَالطُّولِ وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ بِإِثْرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ لِصَلَاتِهِ وَوِتْرِهِ فَقَالَتْ لَهُ كَيْفَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَرُبَّمَا ذَهَبَ بِك النَّوْمُ عَنْ وِتْرِك.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ نَامَ قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنَامُ عَنْ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ. وَهَذَا مِمَّا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَالْعِصْمَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْتَاجُ إلَى الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ لِعِلْمِهِ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ) .

(ش) : ذَكَرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَذَكَرَتْ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَنَّ رِوَايَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اضْطَرَبَتْ فِي الْحَجِّ وَالرَّضَاعِ وَصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَهَذَا غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَسَهْوٌ عَنْ وَجْهِ التَّأْوِيلِ وَلَوْ اضْطَرَبَتْ رِوَايَتُهَا فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ مَعَ مُشَاهَدَتِهَا لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهَا فِي حَيَاتِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اضْطِرَابُ رِوَايَتِهَا فِيمَا لَمْ تُشَاهِدْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَشَدَّ وَلَا تَصِحُّ لَهَا رِوَايَةٌ وَقَدْ أَجْمَعَ مَنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قِلَّةُ مَعْرِفَتِهِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ وَوُجُوهِ التَّأْوِيلِ وَرِوَايَةُ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْتَلِفُ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ فَمَرَّةً كَانَتْ تُخْبِرُ بِمَا شَاهَدَتْ مِنْهُ فِي وَقْتٍ مَا وَمَرَّةً كَانَتْ تُخْبِرُ بِمَا شَاهَدَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنَّمَا قَالَتْ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً تُرِيدُ صَلَاتَهُ الْمُعْتَادَةَ الْغَالِبَةَ وَإِنْ كَانَ رُبَّمَا يَزِيدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى ذَلِكَ فَقَصَدَتْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ غَالِبِ صَلَاتِهِ وَذَكَرَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ تَنْتَهِي إلَيْهِ صَلَاتُهُ فِي النَّادِرِ أَنَّ مَا كَانَتْ تَنْتَهِي إلَيْهِ صَلَاتُهُ فِي الْأَغْلَبِ إذَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ.

وَالْوَجْهَ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقْصِدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ جَمِيعِ صَلَاتِهِ فِي لَيْلَةٍ وَتَقْصِدُ فِي وَقْتٍ ثَانٍ إلَى ذِكْرِ نَوْعٍ مِنْ صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ وَجَمِيعِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» فَلَمْ تَعْتَدَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ بِرَكْعَتَيْ الِافْتِتَاحِ وَلَا بِرَكْعَتَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>