مِنْ الرِّجَالِ قَالَ وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تُؤَاكِلُهُ، أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ) .
ــ
[المنتقى]
(ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ الْمَرْأَةُ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ يُرِيدُ مَنْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُؤَاكَلَتِهَا لَهُ أَكْثَرُ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَيَجُوزُ لِذِي مَحْرَمٍ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور: ٣١] قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَعْنَاهُ مَا فَوْقَ النَّحْرِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمَعَ غُلَامِهَا يُرِيدُ عَبْدَهَا وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْعَبْدِ وَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى شَعْرِهَا فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ تَضَعَ الْمَرْأَةُ ثَوْبَهَا عِنْدَ مَمْلُوكِهَا وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَمْلُوكُ إلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو الْمَحَارِمِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ بِمُؤَبَّدٍ كَالْأَجْنَبِيِّ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، أَوْ كَالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ زَوْجَ أُخْتِهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: ٣١] إنَّمَا عَنَى بِهَا الْإِمَاءَ وَلَمْ يَعْنِ بِهَا الْعَبِيدَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: ٣١] عَامٌّ وَالْإِمَاءُ قَدْ دَخَلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: ٣١] وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَجَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَى شَعْرِهَا كَذَوِي الْمَحَارِمِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى شَعْرِهَا مِنْ عَبِيدِهَا إلَّا الْوَغْدُ وَهُوَ الَّذِي لَا مَنْظَرَ لَهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْحَسَنُ الْمَنْظَرِ فَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْظَرًا كَانَ مِمَّنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِيهَا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَنْظَرٌ فَهُوَ مِمَّنْ لَهَا فِيهِ أَرَبٌ وَلَهُ فِي النِّسَاءِ أَرَبٌ وَتَحْرِيمُهُ غَيْرُ مُتَأَبِّدٍ.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَبْدُهَا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا الَّذِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْهَا لَا تَدُومُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتِقَهُ فِي سَفَرِهَا فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: ٥٨] فَأَجْرَاهُمْ مَجْرَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الْأَجَانِبِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تُؤَاكِلُهُ، أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ نَظَرَ الرَّجُلِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ مُؤَاكَلَتِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الزِّينَةُ زِينَتَانِ: زِينَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الثِّيَابُ، وَزِينَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَرَاهَا إلَّا الزَّوْجُ وَهِيَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخَاتَمُ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا مَا فَوْقَ الدِّرْعِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] يَعْنِي الثِّيَابَ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَذَكَرَ ابْنُ بُكَيْر أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ يَجُوزُ لِلْقُرْبَى أَنْ يَرَوْهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ تَأْكُلَ الْمَرْأَةُ مَعَ مَنْ تَأْمَنُ الْفِتْنَةَ فِي الْأَكْلِ مَعَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَغُضَّ عَنْ بَعْضِ الْمَرْئِيَّاتِ