(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْتَى أَبَدًا بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى الدَّوَاءِ فَيُطْعَمُهُ، أَوْ يَشْرَبُهُ حَتَّى يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَنَعَّمَنَا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا نِعْمَتُك بِكُلِّ شَرٍّ فَأَصْبَحْنَا مِنْهَا وَأَمْسَيْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ فَنَسْأَلُك تَمَامَهَا وَشُكْرَهَا لَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك إلَهَ الصَّالِحِينَ وَرَبَّ الْعَالَمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
(ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، أَوْ مَعَ غُلَامِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ
ــ
[المنتقى]
مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ: مَعْنَاهُ يَأْكُلُ مِنْ الصَّامِتِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَقْضِي وَقَالَ عَطَاءٌ يَأْكُلُ مَعَهُمْ بِقَدْرِ خِدْمَتِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الرَّسَلِ وَالثَّمَرَةِ دُونَ صُلْبِ الْمَالِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا أَكْلُ الْفَاكِهَةِ وَشُرْبُ اللَّبَنِ فَخَفِيفٌ وَلَا يُنْتَفَعُ بِظَهْرِ إبِلِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْنَاهُ فِي الْيَتِيمِ إذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ غِنَاهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَقْضِي مَا أَكَلَ بِالْبَيِّنِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦] وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِمَّا يَبْقَى وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ يَأْكُلَ النَّاظِرُ مِنْهُ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْيَتِيمِ فِيهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ اسْتَعَفَّ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ لَكِنْ إنْ احْتَاجَ النَّاظِرُ لَهُ إلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِرَاضِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ لَا لِتَرَفُّهٍ وَلَا تَكَسُّبٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَنَظَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ النَّظَرَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ دُونَ عِوَضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْيَتِيمِ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَأْخُذُ نَفَقَتَهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَخْلِطَهَا بِنَفَقَتِهِ وَيَكُونَ طَعَامُهُمْ وَاحِدًا فَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ عَلَى الْيَتِيمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنَالُ الْيَتِيمَ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَهَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وَجْهِ التَّنَاهِي فِي التَّحَرُّزِ لِكَثْرَةِ مَا حَدَثَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ التَّحَامُلِ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا أَكَلَ الْيَتِيمُ بِقَدْرِ حَقِّهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَفِي إفْرَادِهِ بِقُوتِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاظِرِ لَهُ فِي الْغَالِبِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ لَا يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى الدَّوَاءِ فَيُطْعَمُهُ، أَوْ يَشْرَبُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يُنَاوَلُ مِنْ دَوَاءٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ، أَوْ الشَّرَابِ فَأَرَادَ مَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ مُعْتَادٍ، أَوْ غَيْرِ مُعْتَادٍ فَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَنَعَّمَنَا إلَى آخِرِ الذِّكْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَنَاوُلِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَانَ يَقُولُهُ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَيَطْعَمُهُ أَوْ يَشْرَبُهُ إلَّا قَالَ: كَذَا يُقَالُ لَا تَبِعْ مِنْ فُلَانٍ حَتَّى تَرْبَحَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَرْبَحَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَكُونُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ مَشْرُوعٌ فِي آخِرِ الطَّعَامِ وَالتَّسْمِيَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي أَوَّلِ الطَّعَامِ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: سَمِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك» وَيُجْزِئُ مِنْ التَّسْمِيَةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُجْزِئُ مِنْ الْحَمْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَسَنٌ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَرَّبَ الْعِجْلَ لِلْمَلَائِكَةِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُمْ أَضْيَافًا مِنْ الْإِنْسِ قَالَ: أَلَا تَأْكُلُونَ قَالُوا: لَا نَأْكُلُ طَعَامًا إلَّا بِثَمَنٍ قَالَ لَهُمْ فَإِنَّ لِهَذَا الطَّعَامِ ثَمَنًا قَالُوا وَمَا ثَمَنُهُ قَالَ تُسَمُّونَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُونَهُ فِي آخِرِهِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا حُقَّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute