للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

أَنَّ ذَلِكَ الْبَعِيرَ قَدْ أَعْدَاهَا جَرَبُهُ فَقَالَ: لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِالْعَدْوَى لَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ جَرِبًا إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ جَرَبَ هَذِهِ الْإِبِلَ بِغَيْرِ جَرَبٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْدِيَهُ غَيْرُهُ أَمَا إنَّ ذَلِكَ دَخَلَ الْبَعِيرَ الَّذِي دَخَلَ بَيْنَهُمَا، أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَهُ؟ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّاءُ لَحِقَ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ عَدْوَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا شَمِلَ الْإِبِلَ أَيْضًا مِنْ الْجَرَبِ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِقَادِ الْعَدْوَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا خَالِقَ سِوَاهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ ابْتِدَاءً وَفِي بَعْضِهَا عِنْدَ مُجَاوَرَةِ الْجَرَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا هَامَ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ لَا يَتَطَيَّرُ بِالْهَامِ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَا هَامَ النَّهْيُ أَنْ يَتَطَيَّرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُولُ إذَا قُتِلَ قَتِيلٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ طَائِرٌ فَلَا يَزَالُ يَقُولُ: اسْقُونِي اسْقُونِي حَتَّى يُقْتَلَ قَاتِلُهُ قَالَ: الشَّاعِرُ فِي مِثْلِ هَذَا

يَا عَمْرُو إلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي ... أَضْرِبْك حَتَّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسْقُونِي

فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا هَامَ تَكْذِيبٌ لِإِخْبَارِهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا صَفَرَ قَالَ: مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُحَرِّمُ صَفَرَ عَامًا وَتُؤَخِّرُ إلَيْهِ الْمُحَرَّمَ وَكَانَتْ تُحِلُّهُ عَامًا آخَرَ وَتُقَدِّمُ الْمُحَرَّمَ إلَى وَقْتِهِ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: ابْنُ وَهْبٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّ الصُّفَارَ الَّتِي فِي الْجَوْفِ تَقْتُلُ صَاحِبَهَا وَهِيَ الَّتِي عَدَتْ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ فَرَدَّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْذَبَهُمْ فِيهِ وَقَالَ: لَا يَمُوتُ أَحَدٌ إلَّا بِأَجَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحُلُّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ الْمُمْرِضُ ذُو الْمَاشِيَةِ الْمَرِيضَةِ وَالْمُصِحُّ ذُو الْمَاشِيَةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ: النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ، أَوْ غَنَمِهِ الْجَرَبَةَ فَيَحُلَّ بِهَا عَلَى مَاشِيَةٍ صَحِيحَةٍ فَيُؤْذِيَهُ بِذَلِكَ قَالَ: وَلَكِنَّهُ عِنْدِي مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَدْوَى قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالتَّكْذِيبِ بِقَوْلِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْعَدْوَى فَلَا يَكُونُ نَاسِخًا وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى النَّهْيِ يُرِيدُ لَا تَكْرَهُوا دُخُولَ الْبَعِيرِ الْجَرِبِ بَيْنَ إبِلِكُمْ غَيْرَ الْجَرَبَةِ وَلَا تَمْنَعُوا ذَلِكَ وَلَا تَمْتَنِعُوا مِنْهُ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا قَالَ: أَوَّلًا وَإِنْ تَعَلَّقْنَا بِالظَّاهِرِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَدْوَى وَرَدَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِمَا وَرَدَ بَعْدَهُ، أَوْ لِمَا لَا يَدْرِي وَرَدَ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ إنَّمَا يَكُونُ نَاسِخًا لِحُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ قَبْلَهُ.

وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْمُزَنِيَّةِ: سَمِعْت أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ بِهِ الْجُذَامُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ الصَّحِيحُ مَعَهُ وَلَا يَنْزِلَ عَلَيْهِ يُؤْذِيَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي فَالنَّفْسُ تَنْفِرُ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ أَذًى فَهَذَا تَنْبِيهٌ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ لِلْأَذَى لَا لِلْعَدْوَى وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلْيَنْزِلْ مَحَلَّةَ الْمَرِيضُ إنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ قِيلَ لَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ، أَوْ غَنَمِهِ الْجَرَبَةَ فَيَحِلَّ بِهَا الْمُورَدَةَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَاشِيَةَ قَالَ: لَعَلَّهُ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ وَمَا سَمِعْته وَإِنِّي لَأَكْرُهُ لَهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ إنْ كَانَ يَجِدُ غِنًى عَنْ ذَلِكَ الْمَوْرِدِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ بِهِ الْمَرَضُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مُورَدَةَ الْأَصِحَّاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ غِنًى عَنْهَا فَيَرِدُهَا.

وَقَدْ رَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا عَدْوَى وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>