للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

قَالَ: لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَقَامَ عَلَى أَنْ يُورِدَ مُمْرِضٍ عَلَى مُصِحٍّ فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رِئَابٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ كُنْت أَسْمَعُك تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ تَقُولُ لَا عَدْوَى فَأَبَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ فِي ذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْحَارِثُ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ لَهُ بِالْحَبَشِيَّةِ فَقَالَ: لِلْحَارِثِ أَتَدْرِي مَاذَا قُلْت قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْت أَتَيْت قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا عَدْوَى فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ» قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو سَلَمَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ وَيَصِحُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ عَرَفَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَدْوَى إنَّمَا نَفَى بِهِ أَنْ يَكُونَ لِمُجَاوَرَةِ الْمَرِيضِ تَأْثِيرٌ فِي مَرَضِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ابْتِدَاءً كَمَا فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ ابْتِدَاءً وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهَذَا الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.

وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْبَارِئُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْخَالِقُ لِلْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ فَنَفَى بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى اعْتِقَادَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُجَاوَرَةِ الْمَرِيضِ الصَّحِيحَ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى عَادَةٍ فَقَدْ يُجَاوِرُ الْمَرِيضُ الصَّحِيحَ فَلَا يَمْرَضُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ اسْتِضْرَارًا غَيْرَ التَّكَرُّهِ لِمُجَاوَرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مُجَاوَرَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك إذَا اسْتَضْرَرْت بِرَائِحَتِهِ وَكَرِهْت مُجَاوَرَتَهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ: يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي قَرْيَتِهِمْ شُرَكَاءَ فِي أَرْضِهَا وَمَائِهَا وَجَمِيعِ أَمْرِهَا فَيُجْذَمُ بَعْضُهُمْ فَيَرِدُونَ الْمُسْتَقَى بِآنِيَتِهِمْ فَيَتَأَذَّى بِهِمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَيُرِيدُونَ مَنْعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانُوا يَجِدُونَ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ غِنًى مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهِمْ، أَوْ يَقْوَوْنَ عَلَى اسْتِنْبَاطِ بِئْرٍ أَوْ إجْرَاءِ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهِمْ وَلَا فَدْحٍ بِهِمْ فَأَرَى أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ وَلَا يُضَارُّوا وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُونَ عَنْ ذَلِكَ غِنًى إلَّا بِمَا يَضُرُّهُمْ، أَوْ يَفْدَحُهُمْ قِيلَ لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِمْ وَيَشْتَكِي ذَلِكَ مِنْهُمْ اسْتَنْبِطْ لَهُمْ بِئْرًا، أَوْ أَجْرِ لَهُمْ عَيْنًا، أَوْ أَقِمْ مَنْ يَسْتَقِي لَهُمْ مِنْ الْبِئْرِ إنْ كَانُوا لَا يَقْوَوْنَ عَلَى اسْتِنْبَاطِ بِئْرٍ، أَوْ إجْرَاءٍ وَيُكْفَوْنَ عَنْ الْوُرُودِ عَلَيْكُمْ وَإِلَّا فَكُلُّ امْرِئٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ وَالضَّرَرُ مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأً مِنْ مَالِهِ وَلَا يُقِيمُ لَهُ عِوَضًا مِنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا جُذِمَ الرَّجُلُ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إنْ شَاءَتْ ذَلِكَ وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ رَقِيقِهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ.

وَقَالَ: سَحْنُونٌ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ إمَائِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الزَّوْجَةِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا امْرَأَةٌ يَلْحَقُهَا الضَّرَرُ بِوَطْءِ الْمَجْذُومِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَالزَّوْجَةِ.

وَقَدْ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ إذَا حَدَثَ ذَلِكَ بِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْجُذَامَ فِي الْحُرِّ لَمَّا مَنَعَ الزَّوْجِيَّةَ وَنَقَضَهَا مَنَعَ الْوَطْءَ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا وَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يَمْنَعْ الْوَطْءَ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُ الْجُذَامِ فِي وَطْئِهِ كَتَأْثِيرِهِ فِي عَقْدِهِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يُخْرَجُ الْمَرْضَى مِنْ الْقُرَى وَالْحَوَاضِرِ قَالَ: مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يُخْرَجُونَ إنْ كَانُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>