للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْكَلَامِ فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَمِنْ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْمَالِ

ــ

[المنتقى]

نَظَرٍ فِي مَعِيشَةٍ وَفِي إصْلَاحِ ضَيْعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَذَّرَهُ مِنْ يَهُودِ قُرَيْظَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى نَفْسِهِ سِلَاحَهُ لِئَلَّا يَغْتَالُوهُ فِي طَرِيقِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحِجَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَلَكِنَّهُ وَجَدَهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَالٍ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَتُهُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ غَيْرَةً حَالَ شَبَابِهِ بِأَثَرِ عُرْسِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَبِرَ الرَّجُلُ ذَهَبَ حُسَامُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِك عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ عُذْرِهَا فِيمَا أَتَتْهُ فَدَخَلَ الْفَتَى فَوَجَدَ الْحَيَّةَ فَرَكَّزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ نَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيَّةُ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فَجَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ مَقْتُولًا مِنْ أَجْلِ الْحَيَّةِ وَقَوِيَ هَذَا التَّجْوِيزُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا» فَظَاهِرُ هَذَا تَجْوِيزُهُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحَيَّةُ مِنْهُمْ وَخُصَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إمَّا لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُمْ الَّذِينَ كَانُوا أَسْلَمُوا مِنْ بَنِي آدَمَ فَأَعْلَمَهُمْ بِحُكْمِهِمْ مَعَ جِنٍّ قَدْ أَسْلَمُوا وَأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بَنُو آدَمَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَسَيَكُونُ حُكْمُهُ مَعَ مُسْلِمِي الْجِنِّ مِثْلَ ذَلِكَ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ الْجِنِّ غَيْرَ جِنِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ جِنُّ سَائِرِ الْبِلَادِ فَسَيَكُونُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ هَذَا الْحُكْمَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فَإِنَّمَا خَصَّ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُرَوْنَ فِي صُوَرِ الْحَيَّاتِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُؤْذَنُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَرَى أَنْ يُنْذَرُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُنْظَرُ إلَى ظُهُورِهَا، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا يُرِيدُ أَنْ يُنْذَرُوا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُتَحَرَّى بِإِنْذَارِهِمْ ثَلَاثَ مِرَارٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِي مِنْ الْإِنْذَارِ أَنْ يَقُولَ اُخْرُجْ عَلَيْك بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَبْدُوَ لَنَا أَوْ لِذُرِّيَّتِنَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا» يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَدِينَةِ فِي الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ بِحَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَيَّاتِ «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ عَادَيْنَاهُنَّ وَمَنْ يَتْرُكُهُنَّ خَوْفَ شَرِّهِنَّ فَلَيْسَ مِنَّا» وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ مَعْنَى ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ حِينَ أُخْرِجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه: ١٢٣] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْحَيَّاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَصَوِّرَةٍ مِنْ الْجِنِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَصَوِّرَةَ مِنْ الْجِنِّ مِمَّا لَمْ يُؤْمِنْ أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ الشَّيَاطِينِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ الشَّيَاطِينَ جِنْسٌ مِنْ الْجِنِّ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» يُحْتَمَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا إلَى الِانْتِصَارِ مِنْكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>