للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ يُقَالُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ إلَّا مُنَافِقٌ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» )

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إلَى الْمَسَاجِدِ وَهُوَ يَكُونُ بِبُعْدِ الدَّارِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَيَكُونُ بِكَثْرَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ وَأَمَّا انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ الَّتِي تَلِيهَا وَهَذَا يَكُونُ فِي صَلَاتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ أَوْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعِشَاءَ وَأَمَّا انْتِظَارُ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْحَدَثُ وَكَذَلِكَ انْتِظَارُ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَأَمَّا انْتِظَارُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا أَذْكُرُ الْآنَ فِيهِ نَصًّا وَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ انْتِظَارِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَحُكْمُ انْتِظَارِ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ كَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ صَلَاةً لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي صَلَّى اشْتِرَاكٌ فِي وَقْتٍ وَاَلَّذِي يَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ رَأَيْت رِوَايَةً فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا أَذْكُرُ مَوْضِعَهَا الْآنَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ الرِّبَاطِ الْمُرَغَّبِ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ رَبَطَ نَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَحَبَسَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ التَّفْضِيلَ لِهَذَا الرِّبَاطِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّبَاطِ فِي الثُّغُورِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْوَاعِهِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْقَائِلُ جِهَادُ النَّفْسِ هُوَ الْجِهَادُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ الرِّبَاطُ الْمُمْكِنُ الْمُتَيَسِّرُ.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ قَوْلُهُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَكْرَارِ كَلَامِهِ ثَلَاثًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ فَائِدَةِ التَّعْظِيمِ وَالْإِفْهَامِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(ش) : قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إخْبَارٌ عَنْ تَعَلُّقِ مَنْعِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالنِّدَاءِ لِمَا رُوِيَ وَلِأَنَّ النِّدَاءَ دُعَاءٌ إلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا فَمَنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَظَاهِرُهُ قَصْدُ خِلَافِهِمْ وَتَفْرِيقُ جَمَاعَتِهِمْ وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ اسْتِثْنَاءٌ لِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ ضَرُورَةٌ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخَرَجَ لِيُزِيلَ الضَّرُورَةَ وَيَرْجِعَ فَيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فَإِنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ ظَاهِرَةً كَالرُّعَافِ وَنَحْوِهِ فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ لِحَاجَتِهِ وَإِزَالَةُ اللُّبْسِ فِي أَمْرِهِ وَمَانِعٌ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةً بَاطِنَةً فَيُظْهِرُ أَمْرًا يَقُومُ بِهِ عُذْرُهُ مِنْ قَبْضِهِ عَلَى أَنْفِهِ كَهَيْئَةِ الرَّاعِفِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إلَّا مُنَافِقٌ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ وَقَوْلُهُ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ وَالْإِرَادَةُ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ فَلَا يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَيْهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ صَلَّاهَا فَذًّا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَإِذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْجَمَاعَةِ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ الْخَمْسِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ فَوَاتَ مَا قُصِدَ لَهُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَأَنَّ الْقَاعِدَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَحْصُلَ لَهُ أَحَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>