للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ أَمُتَتَابِعَانِ أَمْ يَقْطَعُهَا قَالَ حُمَيْدٍ فَقُلْت لَهُ نَعَمْ إنْ شَاءَ قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يُصَامُ مُتَتَابِعًا) .

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تُصْبِحُ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ عَبِيطٍ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ تَنْتَظِرُ حَتَّى تُمْسِيَ أَنْ تَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَلَا تَرَى شَيْئًا، ثُمَّ تُصْبِحُ يَوْمًا آخَرَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً أُخْرَى وَهِيَ دُونَ الْأُولَى، ثُمَّ يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهَا قَبْلَ حَيْضَتِهَا بِأَيَّامٍ فَسَأَلَ مَالِكٌ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَإِذَا رَأَتْهُ فَلْتُفْطِرْ وَلِتَقْضِ مَا أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ) .

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ هَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ كُلِّهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الصِّيَامَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ كُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ فَسَأَلَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ فِي الطَّوَافِ مُبَاحٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ يُرِيدُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عِتْقٍ وَلَا كِسْوَةٍ وَلَا إطْعَامٍ فَسَأَلَهُ الْإِنْسَانُ هَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْمُتَابَعَةُ أَمْ لَا فَقَالَ حُمَيْدٍ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا لِمَا كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهَا مِنْ جَوَازِ التَّفْرِيقِ فَأَنْكَرَهُ مُجَاهِدٌ عَلَيْهِ لِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ فَلَمْ يَسَعْهُ السُّكُوتُ إذْ كَانَ هُوَ الْمَسْئُولَ وَالْمُقَلَّدَ فَلَوْ سَكَتَ لَظَنَّ السَّائِلُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ بِهِ وَيُقَلِّدُهُ فِيهِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ وَالسَّائِلُ لَمْ يَرَ تَقْلِيدَ حُمَيْدٍ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ احْتَجَّ مُجَاهِدٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ".

وَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ كُلَّ صَوْمٍ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فَالْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا إلَّا أَنَّهُ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّتَابُعُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عِنْدَهُمَا تَفْرِيقُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ وَالسَّبْعَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَفْضَلُ فِيهِ التَّتَابُعَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صِفَةِ مَا هُوَ قَضَاءٌ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّوْمِ لِتَبْرَأَ الذِّمَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] ، وَهَذَا مُطْلَقٌ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ مُجَاهِدٌ مِنْ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَأَنَّهَا عِنْدَ قَوْمٍ تَجْرِي مَجْرَى أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهِ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ قُرْآنًا لَمْ يَصِحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ مِنْ زَمَنِ الطُّهْرِ مَا يَكُونُ طُهْرًا كَامِلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا الْمُعْتَادِ وَفِي غَيْرِهِ فَإِذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ وَلَوْ دَفْعَةً فِي الْيَوْمِ أَفْطَرَتْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّ الدَّمَ إذَا رُئِيَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا وَأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَتَقْضِي مَا أَفْطَرَتْ يُرِيدُ مِنْ الْأَيَّامِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ أَمَّا غُسْلُهَا فَإِنَّ الْحَائِضَ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِتَطْهُرَ بِهِ مِنْ حَدَثِ حَيْضِهَا، وَإِنْ رَأَتْ الطُّهْرَ فِي آخِرِ يَوْمٍ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَأَمَّا صَوْمُهَا فَيَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ تَصُومَ شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا تَصُومُ مَا بَعْدَهُ إنْ كَانَتْ طَاهِرًا.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الشَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَاضِي مِنْهُ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ فَاتَ لِمُضِيِّ زَمَنِهِ وَالْقَضَاءُ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ ثَانٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا مَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>