للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلِيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَلَا يُفْطِرُهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ قَضَاءٌ إذَا كَانَ إنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ

ــ

[المنتقى]

فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ أَوْ النِّسْيَانِ لِصَوْمِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِاعْتِقَادِ جَوَازِ ذَلِكَ، ثُمَّ شَكَّتَا فِيهِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ فِطْرِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفْطِرُ كَمَا شَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ، وَهَذَا قَدْ عَقَدَ الصَّوْمَ فَوَجَبَ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ «قَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ الْفِطْرُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ كَانَ الْيَوْمُ لِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا فِي بَيْتِ الَّتِي كَانَ يَوْمُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِهَا وَيَحْتَمِلُ بِأَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَصَامَتْ بِإِذْنِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ حَفْصَةُ وَبَدَرَتْنِي بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ جَرِيئَةً عَلَى الْكَلَامِ وَجَلْدَةً فِي سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهَا مُبَادَرَةٌ إلَى الْكَلَامِ وَإِرَادَةٌ أَنْ تَتَوَلَّاهُ وَقَوْلُ حَفْصَةَ أَنِّي أَصْبَحَتْ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَلَمْ يُعْلِمْهُمَا هَلْ هُوَ تَطَوُّعٌ أَوْ غَيْرُهُ فَأَعْلَمَتْهُ عِنْدَ سُؤَالِهَا بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِأَنَّ صَوْمَهُمَا تَطَوُّعٌ فَأَرَادَتَا إذْكَارَهُ وَقَوْلُهُمَا فَإِنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْ ضَرُورَتِهِمَا وَحَالِهِمَا مَا أَغْنَاهُمَا عَنْ أَنْ تُخْبِرَاهُ أَنَّ فِطْرَهُمَا وَقَعَ لِضَرُورَةٍ وَعَلِمَتَا عِلْمَهُ بِذَلِكَ وَتَفَهُّمَهُ بِهِ فَلَمْ تَذْكُرْهُ فِي سُؤَالِهَا، وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُمَا الصَّوْمَ لَا يَعْرِفُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُمَا أَنَّ نَفْلَ الصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ إتْمَامُهُ وَأَحْكَامُ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ يُخْتَلَفُ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا الصَّوْمِ نَفْسِهِ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْكَرَاهِيَةُ وَالْعَمْدُ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِنْ أَفْقَهِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا ذِكْرَ عِلَّةِ الْفِطْرِ فِي سُؤَالِهِمَا إلَّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَالِهِمَا وَهِيَ الضَّرُورَةُ إلَى الطَّعَامِ فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا عَلَى أَصْلِكُمْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ وَالْمُضْطَرُّ إلَى النَّفْلِ فِي النَّفْلِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمَا عَلَى الْوُجُوبِ وَلَمْ يَكُنْ فِطْرُهُمَا لِضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ مَعَ اعْتِقَادِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يُتِيحُ الْفِطْرَ وَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ فَلَمَّا أَمَرَهُمَا بِالْقَضَاءِ تَضْمَنَّ ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ الْفِطْرِ لِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهَا «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَيَحْتَمِلُ النَّدْبَ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ مُخْتَارًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَّا وَإِنْ أَفْطَرَ لِضَرُورَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا النَّاسِيَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي الْعُمْرِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا فَكَانَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ نَفْلَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْحَجِّ.

(ص) : (سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلِيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَلَا يُفْطِرُهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ قَضَاءٌ إذَا كَانَ إنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ إذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْوُضُوءِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>