للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَاةِ نَافِلَةٍ إذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْوُضُوءِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا النَّاسُ فَيَقْطَعَهُ شَيْءٌ يُتِمُّهُ عَلَى سُنَنِهِ إذَا كَبَّرَ لَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا صَامَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يُتِمَّ صَوْمَهُ، وَإِذَا أَهَلَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ، وَإِذَا دَخَلَ فِي طَوَافٍ لَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى يُتِمَّ سُبُوعَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا إذَا دَخَلَ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ إلَّا مِنْ أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْ الْأَسْقَامِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَالْأُمُورُ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] فَعَلَيْهِ إتْمَامُ الصِّيَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْحَجِّ تَطَوُّعًا، وَقَدْ قَضَى الْفَرِيضَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَيَرْجِعُ حَالًّا مِنْ الطَّرِيقِ وَكُلُّ أَحَدٍ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا إذَا دَخَلَ فِيهَا، ثُمَّ يُتِمُّ الْفَرِيضَةَ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ فَأَفْطَرَ فِيهِ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ مِنْ السَّهْوِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ يُسْقِطُ الْإِثْمَ فِي فِطْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ كَالنِّسْيَانِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَعْذَارُ الَّتِي تُسْقِطُ الْقَضَاءَ النِّسْيَانُ وَالْمَرَضُ وَالْإِكْرَاهُ وَشِدَّةُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ تَجَدُّدُ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ طُولُ مُدَّتِهِ فَأَمَّا السَّفَرُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مَعْنًى يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ كَالْمَرَضِ وَالنِّسْيَانِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَفْطَرَ مُخْتَارًا بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّوْمِ مَعَ إمْكَانِ إتْمَامِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْمُقِيمِ فَإِذَا ابْتَدَأَ صَوْمَ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ أَفْطَرَ لِعُذْرِ السَّفَرِ فَفِيهِمَا أَيْضًا رِوَايَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُقْصَدُ لِأَنْفُسِهَا وَلَا تَتَبَعَّضُ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا وَتَلَبَّسَ بِعَمَلِهَا أَنْ يَقْطَعَهَا حَتَّى يُتِمَّ مِنْهَا أَقَلَّ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَامِلَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ ذَلِكَ فَالتَّلَبُّسُ بِالْحَجِّ هُوَ الْإِهْلَالُ بِهِ وَالتَّلَبُّسُ بِالصَّوْمِ هُوَ الدُّخُولُ فِيهِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِنِيَّةٍ مُسْتَصْحَبَةٍ قَبْلَهُ إمَّا ذِكْرًا وَإِمَّا حُكْمًا وَالتَّلَبُّسُ بِالصَّلَاةِ هُوَ الْإِحْرَامُ بِهَا وَالتَّلَبُّسُ بِالطَّوَافِ هُوَ التَّكْبِيرُ لَهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالشُّرُوعُ فِي الْمَشْي فِيهِ لِمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الصِّيَامِ عِبَادَةُ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَجِّ عِبَادَةً حِجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الطَّوَافِ عِبَادَةُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ مَعَ مَا يَتْبَعُهُ وَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الصَّلَاةِ عِبَادَةُ رَكْعَتَانِ فَهَذَا الْمِقْدَارُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بِالتَّلَبُّسِ بِهَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الِاعْتِكَافُ وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] .

وَقَالَ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَعْرِضَ مَانِعٌ يُتِيحُ الْخُرُوجَ مِنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَسْقُطَ وُجُوبُ التَّمَادِي وَيُعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَعْذَارَ الَّتِي تُبِيحُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَسَيَأْتِي الْأَعْذَارُ الَّتِي تُبِيحُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>