للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (زِيَادٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ اعْتِكَافُهُ إلَّا تَطَوُّعًا» ) .

ــ

[المنتقى]

صَوْمِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ قَضَاءُ ذَلِكَ الِاعْتِكَافِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ صَوْمُ الِاعْتِكَافِ وَاجِبًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَفَسَدَ صَوْمُهُ لِمَعْنًى يُوجِبُ قَضَاءَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَفِي صَوْمٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَانِعٍ مِنْ قَضَاءِ الصَّوْمِ كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُ مِنْ قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ أَيْضًا.

(فَصْلٌ) :

فَإِنْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَانٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُ رَمَضَانَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَمَضَانَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ الْمَانِعُ أَوَّلًا يَسْتَغْرِقُهُ فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ وَكَانَ الْمَانِعُ فِي آخِرِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِالِاعْتِكَافِ قَدْ لَزِمَهُ بَعْضُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا مَانِعٌ غَالِبٌ مَانِعٌ مِنْ صَوْمٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ وُجُوبُهُ لِغَيْرِ الِاعْتِكَافِ فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ مَا مَنَعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ مَنَعَ مِنْ جَمِيعِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْمَعَانِي الْمَانِعَةُ مِنْ الِاعْتِكَافِ هِيَ الْمَرَضُ وَالْحَيْضُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَصِحُّ مَعَهُ فِعْلُهُ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْمُكَلَّفِ فِيهِ التَّفْرِيطُ وَيَلْزَمُ الْحَائِضَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالرُّجُوعُ إلَى بَيْتِهَا وَالْمَرِيضَ الرُّجُوعُ إلَى بَيْتِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ وَأَمْكَنَ لِعِلَاجِهِ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَيْتِهِ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ الصَّوْمُ فَاَلَّذِي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْقُرْطُبِيُّ يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِمَا يُمْكِنُهُ وَهُوَ مُلَازَمَةُ الْمَسْجِدِ وَالِامْتِنَاعِ تَمَايُنًا فِي الِاعْتِكَافِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُفِيقَ، وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُعْتَكِفِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ يَلْزَمُ الْمَسْجِدَ فَعَلَيْهِ هَاهُنَا مِثْلُهُ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَلَبَّسَ فِي الثُّغُورِ بِالِاعْتِكَافِ حَالَ الْأَمَانِ، ثُمَّ طَرَأَ الْخَوْفُ فَلَزِمَهُ الْخُرُوجُ وَتَرْكُ الِاعْتِكَافِ فَقَالَ مَالِكٌ إذَا أَمِنَ ابْتَدَأَ اعْتِكَافَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِكَافِهِ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ وَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِعِبَادَةٍ وَقَطَعَ مَسَافَةً كَمَا لَوْ خَرَجَ لِحَجِّ أَوْ جِنَازَةٍ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ خَرَجَ لِطَاعَةٍ لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهَا وَلَا يَتِمُّ اعْتِكَافُهُ إلَّا بِهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِشِرَاءِ قُوتِهِ وَطَهُورِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ إذَا صَحَّ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَبْطُلُ أَوَّلَ وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَقْتِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ فَإِذَا تَرَكَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَقَدْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي تَطَوَّعَ بِالِاعْتِكَافِ فَلَزِمَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَاَلَّذِي نَذَرَهُ فَلَزِمَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَا يُنَافِي الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ يُنَافِيهَا إذَا تَطَوَّعَ بِهَا كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ بَلْ هُوَ هَيْئَةٌ مِنْ هَيْئَاتِهَا تَسْقُطُ لِعُذْرٍ، وَاَلَّذِي يُنَافِي الصَّلَاةَ الْكَلَامُ وَالْحَدَثُ وَتَطَوُّعُ الصَّلَاةِ وَفَرْضُهَا يَتَسَاوَيَانِ فِي ذَلِكَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَاَلَّذِي يَحْرُمُ فِي الِاعْتِكَافِ وَيَفْسُدُ لِمُنَافَاتِهِ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>