للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إنَّهَا إذَا اعْتَكَفَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى بَيْتِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهَا قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَتَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ» .

ــ

[المنتقى]

الِاسْتِمْتَاعُ بِالنِّسَاءِ بِقُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ جَسَّةٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] .

(فَرْعٌ) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُبْطِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الِاعْتِكَافَ إلَّا بِالْإِيلَاجِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُبَاشَرَةٍ لَوْ قَارَنَهَا الْإِنْزَالُ أَفْسَدَتْ الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهَا تُفْسِدُهُ وَإِنْ عَرِيَتْ عَنْ الْإِنْزَالِ كَالْإِيلَاجِ.

١ -

(فَرْعٌ) وَيُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ الْأَكْلُ عَامِدًا لِمَا قُلْنَا إنَّ مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمَ وَالتَّتَابُعَ وَيُفْسِدُهُ ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالِالْتِذَاذِ بِمَنْ لَا يَحِلُّ الِالْتِذَاذُ بِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ السَّرِقَةَ وَالْقَتْلَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْكَبَائِرِ يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ نِهَايَةُ الطَّاعَةِ وَالْمُبَالَغَةِ حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِ التَّشَاغُلُ عَنْهُ بِتَدْرِيسِهِ الْعِلْمَ وَالْمَشْيُ إلَى الْجَنَائِزِ وَرُكُوبُ الْكَبَائِرِ يُنَافَى هَذَا وَمَا ضَادَّ الْعِبَادَةَ أَفْسَدَهَا.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْحَائِضَ الْمُعْتَكِفَةَ إذَا حَاضَتْ خَرَجَتْ مِنْ مُعْتَكَفِهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَائِضُ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى مُعْتَكَفِهَا أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ لَا تُؤَخِّرُ رُجُوعَهَا عَنْ وَقْتِ طُهْرِهَا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ التَّتَابُعَ فَإِذَا أَخَّرَتْ ذَلِكَ بَطَلَ التَّتَابُعُ وَبَطَلَ بِعَدَمِهِ الِاعْتِكَافُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ.

١ -

(فَرْعٌ) فَإِنْ رَجَعَتْ نَهَارًا فَأَنَّهَا لَا تُمْسِكُ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ نَهَارِهَا وَلَا يُحْتَسَبُ لَهَا بِهِ فِي أَيَّامِ اعْتِكَافِهَا فَإِنْ رَجَعَتْ لَيْلًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَوَتْ الصَّوْمَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُجْزِئُهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَحْتَسِبُ بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ دُخُولُهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ كَابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَتَحِيضُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ الْمَوَانِعَ الْغَالِبَةَ كَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ لَهُ بَعْدَ الْمَوَانِعِ الْغَالِبَةِ عَنْ وَقْتِ الْإِمْكَانِ، وَكَذَلِكَ تَتَابُعُ الصِّيَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْبُيُوتِ لِمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ التَّغَوُّطِ وَالطَّهَارَةِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ الْخُرُوجُ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ يُؤْتَى لَهُ الْأَسْوَاقُ وَمَوَاضِعُ بَيْعِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْهُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جِنَازَةِ أَبَوَيْهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمَا) (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا لِمَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ لِفَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ عَلَيْهِ وَيُبْطِلُ ذَلِكَ اعْتِكَافَهُ وَأَمَّا خُرُوجُهُ لِجِنَازَةِ أَبَوَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَرْضٍ وَلَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الِاعْتِكَافِ لَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِعِيَادَةِ أَبَوَيْهِ إذَا مَرِضَا وَيَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ لَزِمَهُ طَلَبُ مَرْضَاتِهِمَا وَاجْتِنَابُ مَا يُسْخِطُهُمَا فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ بِرِّ أَبَوَيْهِ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا وَالْإِتْيَانِ بِاعْتِكَافِهِ بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ حُضُورِ جِنَازَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ بِحُضُورِهِ فَيُرْضِيهِمَا ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمَانِ بِتَخَلُّفِهِ فَيُسْخِطُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>