للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُدَارُ مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَدَّقَ مَالَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا بَزًّا أَوْ رَقِيقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ صَدَّقَهُ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَرْضَ سِنِينَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ زَكَاةٌ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ فَإِذَا بَاعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ

ــ

[المنتقى]

لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا وَقَوْلُهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إذَا نَقَصَتْ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا لَا مِثْلَ الْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - " لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ مَا اعْتَقَدَ فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى ذَلِكَ اجْتِهَادًا لِكَسَادِ أَسْوَاقِ الْجِهَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيمَا كَانُوا يَحْمِلُونَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالزَّيْتِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ لِيُكْثِرَ بِذَلِكَ طَعَامَهُمْ وَزَيْتَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَصَدَ بِذَلِكَ الطَّعَامَ وَحْدَهُ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اجْتِهَادًا مِنْهُ وَأَنَّهُ رَأَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ وَمِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسَافِرِ فِي سَفَرِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا يَحْمِلُونَهُ لِلتِّجَارَةِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُمْ انْتَفَعُوا بِالتِّجَارَةِ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ إذَا انْتَفَعُوا بِالتِّجَارَةِ بِهِ فِي غَيْرِ أُفْقِهِمْ الَّذِي يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَقَامِ وَالتِّجَارَةِ فِيهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ بَرَاءَةً لَهُمْ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَمَنْعًا مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ إلَى انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَأْتُونَ تُجَّارًا إلَى غَيْرِ أُفُقِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُنْ لَهُمْ بَرَاءَاتٌ إلَى الْحَوْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي يُدَارُ مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ عَلَى وَجْهِ الِادِّخَارِ وَانْتِظَارِ الْأَسْوَاقِ إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ أَنْ زَكَّى مَالَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْمَالَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَوْلِ، وَإِنْ بَقِيَ عِنْدَهُ أَعْوَامًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَبِيعَ فَإِنْ بَاعَ أَدَّى زَكَاةً وَاحِدَةً وَالْإِدَارَةُ فِي كَلَامِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِالْإِدَارَةِ التَّقْلِيبَ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ هَاهُنَا فَهَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَعْوَامًا حَتَّى يَبِيعَ فَيُزَكِّي لِعَامٍ وَاحِدٍ.

وَالثَّانِي: الْبَيْعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ سُوقٍ كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ فَهَذَا يُزَكِّي فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى شُرُوطٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُومُ التَّاجِرُ فِي كُلِّ عَامٍ وَيُزَكِّي مُدِيرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُدِيرٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ أَنْ يُزَكِّيَ أَثْمَانَهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ فَإِذَا نَقَصَتْ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مَالٌ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي كُلِّ عَامٍ كَالْعَرْضِ الْمُقْتَنَى وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ أَعْيَانَ الْعُرُوضِ لَا صَدَقَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَإِذَا اشْتَرَى الْعَرْضَ بِذَهَبٍ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ صَرَفَ مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ إلَى مَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ فَمَا دَامَ عَرْضًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ مُفْرَدَةٌ لَا تُؤَثِّرُ وَلَوْ أَثَّرَتْ دُونَ عَمَلٍ لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلْقِنْيَةِ فَنَوَى بِذَلِكَ التِّجَارَةَ وَقَدْ أَجْمَعَنَا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>