للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَوْ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدْ وَجَبَ فِيهَا وَلَزِمَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَغْيِيرُ حُكْمِهَا وَإِسْقَاطُ مَا وَجَبَ فِيهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي كَتَبَ فَرِيضَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ وَفِيهِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَحَدِيثُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ فِي ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَلَكِنْ خَافَ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ سَتَرَ عَنْهُ بَعْضَ مَاشِيَتِهِ لِيُنْقِصَ عَنْ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمُصَّدِّقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ نَهْيُهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ خَشْيَةِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ إلَّا بِأَمَارَةٍ تَقْوَى بِهَا التُّهْمَةُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ وَالصِّدْقِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ يَنْفِي التُّهْمَةَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ مُرَاعَاةِ الدَّيْنِ وَمَحَبَّةِ تَوْفِيرِ الْمَالِ مِنْ وَجْهِهِ وَغَيْرِ وَجْهِهِ وَتَرْكِ الْإِنْصَافِ فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوَصُّلًا إلَى اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْخُلْطَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ عَلَى ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَرْضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ وَفِيهِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ مِنْ بَعْضِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِ الزَّكَاةِ وَتَكْثِيرِهَا فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي تَأْثِيرِهِ وُجُودٌ فِي جَمِيعِ الْعَامِ كَالسَّقْيِ بِالنَّضْحِ وَالسَّيْحِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَمْ أَقَلُّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ أَوْ الِافْتِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَامٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا لَمْ يَقْرَبْ جِدًّا أَوْ يَهْرُبْ بِذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِنْ حُكْمِ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يَكُونَ حَوْلُهُمَا وَاحِدًا فَإِنْ حَالَ حَوْلُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ حَوْلُ الْآخَرِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُزَكَّى غَنَمُ الَّذِي لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَيُزَكَّى غَيْرُهَا.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِنِصَابِ الْآخَرِ فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ حَوْلُهُ بِحَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ لَزُكِّيَتْ مَاشِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعِ الْمَاشِيَةِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَفِرَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِالتَّفْرِيقِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَلَا يَصِحُّ الْفِرَارُ عَنْهَا بَعْدَ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا أَصْلُ ذَلِكَ الْفِرَارُ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بَاعَهَا لِلْفِرَارِ فَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ جُهِلَ وَكَانَ فِي بَلَدٍ لَا سُعَاةَ فِيهِ زَكَّى زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي رِقَابِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فِيهِ سُعَاةٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلِ مَجِيءُ السَّاعِي فَإِنْ بَاعَهَا بِجِنْسِهَا مِمَّا يَجْمَعُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِحَوْلِ الْمَاشِيَةِ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا بَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ بَدَّلَ مَاشِيَتَهُ بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا لِحَوْلِ الثَّانِيَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَبْدَلَ مَاشِيَتَهُ بِجِنْسِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَوَافَقَنَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِحَوْلِ الْأُولَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحُولَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>