للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

غَارِمُونَ فَأُعْطُوا بِالْوَصْفَيْنِ جَمِيعًا.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْغَارِمِ فَمَرَّةً قَالَ يُعْطَى إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَمَرَّةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ لِلْغَارِمِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَا أُعْطِيَ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَفَافُ دَيْنِهِ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَلَا يُفْصِحُ.

وَجْهُ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: ٦٠] فَذَكَرَ الْغَارِمِينَ مَعَ الْفُقَرَاءِ وَعَطَفَهُمْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ.

(فَرْعٌ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغَارِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّنْ تُنْجَزُ حَالُهُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَيَتَغَيَّرُ بِتَرْكِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ أُصُولٌ يَسْتَغِلُّهَا وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فَيَرْكَبُهُ دَيْنٌ يُلْجِئُهُ إلَى بَيْعِهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا خَرَجَ عَنْ حَالِهِ فَهَذَا يُؤَدَّى دَيْنُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ مِنْ الِابْتِذَالِ وَالسَّعْيِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمْوَالَ النَّاسِ لِيَكُونَ مِنْهَا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ غَارِمًا مَا يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ عَنْ هَذَا لَا يُغَيِّرُ وَلَا يَضْطَرُّهُ مَنْعُهُ مِنْ الِابْتِذَالِ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ عَادَتِهِ وَلِلْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ تَأْثِيرٌ فِي إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ.

(مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٦٠] فَهُوَ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ قَالَهُ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الْحَجُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْغَزْوُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ١٩٠] وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِلْغَازِي، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يُغْنِيهِ وَهُوَ غِنَى يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعْطَى لِلْغَازِي الْغَنِيِّ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ» فَبَدَأَ بِالْغَازِي وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُهَا مَعَ الْغَنِيِّ كَالْعَامِلِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَهُوَ الْمُسَافِرُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ دَابَّةً وَلَا مَا يُكْرِيهَا بِهِ، وَقَالَ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ ابْنُ السَّبِيلِ يَكُونُ مُبْتَدِئًا لِسَفَرِهِ وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَدِيمًا لَهُ فَأَمَّا الْمُبْتَدِئُ لِسَفَرِهِ فَهُوَ الْغَرِيبُ يَكُونُ بِالْبَلَدِ لَهُ فِيهِ مُدَّةٌ، ثُمَّ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ فَهَذَا مُبْتَدِئٌ لِسَفَرِهِ وَأَمَّا الْمُسْتَدِيمُ لَهُ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُسْتَدِيمِ السَّفَرِ وَأَمَّا مُبْتَدِئُهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ هَذَا مُرِيدٌ لِلسَّفَرِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ كَالْمُسْتَدِيمِ وَتَبْيِينُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَدِيمَ لِلسَّفَرِ إنَّمَا يَأْخُذُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا الْمَاضِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يُغْنِيهِ وَكَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُغْنِيه وَكَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: ٤١] وَهَذَا عَامٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صِنْفٌ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لِمَعْنَى سَفَرِهِ فَجَازَ صَرْفُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيه كَالْغَازِي.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسَافِرَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ابْنَ السَّبِيلِ أَنْ يَتَسَلَّفَ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْغِلَ ذِمَّتَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْرَائِهَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ الِاجْتِهَادُ لِلْخَلِيفَةِ بَلْ جَعَلَ فِيهِ حَظًّا لِمَنْ يَلِيه وَهَذَا؛ لِأَنَّ وَالِيَ كُلِّ بَلَدٍ أَعْلَمُ بِوُجُوهِ مَصَالِحِهِ الْخَاصَّةِ فَلِذَلِكَ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>