للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الِاجْتِهَادُ فِيهِ إلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي يُرِيدُ بِالْحَاجَةِ أَنْ يَكُونُوا أَشَدَّ فَقْرًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَكْثَرَ عَدَدًا وَأَقَلَّ مَرَافِقَ وَالْإِيثَارُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْطَى صِنْفُ الْحَاجَةِ الْأَكْثَرَ وَيُعْطَى غَيْرُهُمْ الْأَقَلَّ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُعْطَى صِنْفُ الْحَاجَةِ الْجَمِيعَ وَلَا يُعْطَى غَيْرُهُمْ شَيْئًا وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِي مَعَ وُجُودِ الْأَصْنَافِ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ إلَى جَمِيعِهِمْ فَإِنْ عَدِمُوا جَازَ أَنْ يَدْفَعَ الْجَمِيعُ إلَى مَنْ وُجِدَ إلَّا الْعَامِلَ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْجَمِيعِ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْفَقِيرِ فَجَازَ أَنْ يُخَصُّوا بِهَا كَالْكَفَّارَاتِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ عَسَى أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ إلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ يُرِيدُ الْعَطَاءَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الشِّدَّةَ وَالْحَاجَةَ لَا تَبْقَى عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ وَيَكُونُ الْعَطَاءُ لِكُلِّ إنْسَانٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقِلَّةِ سُؤَالِهِ وَمَا يُعْرَفُ مِنْ صَلَاحِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا كَثْرَةُ الْعِيَالِ فَإِنَّ حَاجَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَكْثَرُ وَغَنَاءُ مَا يَدْفَعُ إلَيْهِ عَنْهُ أَقَلُّ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عِيَالِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَإِذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ وُجُوبٌ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ وَأَمَّا قِلَّةُ التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ أَقْدَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَتَنْمِيَةِ مَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ غَيْرِهِ الَّذِي لَا تَصَرُّفَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ بِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَهَذَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الضَّيَاعُ وَيَتَعَجَّلُ إتْلَافَ مَا بِيَدِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالزِّيَادَةِ وَأَمَّا قِلَّةُ السُّؤَالِ فَإِنَّ فِي السُّؤَالِ نَوْعًا مِنْ الِاكْتِسَابِ فَالسَّائِلُ يَسْتَعِينُ بِسُؤَالِهِ، وَاَلَّذِي لَا يَسْأَلُ يَشْتَدُّ أَمْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ مِنْ الْعَطَاءِ وَالسُّؤَالُ مَكْرُوهٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُعَانَ هَذَا الَّذِي لَا يَسْأَلُ عَلَى مَا الْتَزَمَ مِنْ تَرْكِ السُّؤَالِ وَأَمَّا صَلَاحُ الْحَالِ فَرَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ يُؤْثَرُ الْفَقِيرُ الصَّالِحُ لِحُسْنِ حَالِهِ وَلَا يُمْنَعُ لِسُوءِ حَالِهِ وَيُعْطَى الْقَوِيُّ الْبَدَنِ وَلَا يُمْنَعُ لِقُوَّةِ بَدَنِهِ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَذْكُورَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٧٣] .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَمْ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اجْتِهَادِ الْمُتَوَلِّي قِيلَ فَيُعْطِي الْفَقِيرَ قُوتَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَزِيدُهُ فَقَالَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْقَاسِمُ وَقَدْ يَقِلُّ الْمَسَاكِينُ وَتَكْثُرُ الصَّدَقَةُ.

وَرُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ يُعْطَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَلَا يَبْلُغُهُ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّفَاتِ فَيُعْطَى كُلُّ إنْسَانٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا كَقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ مَنْ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ وَبَيْنَ مَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ وَقَرَّرَتْ أَخْذَهَا مِنْ الْغَنِيِّ الَّذِي لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَأَنَّ الصَّدَقَةَ تُعْطَى لِلْفَقِيرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْطَى لِمَنْ مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَدٌّ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَصِفَةُ إعْطَاءِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُتَصَدِّقُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ وَيُفَرِّقُهَا عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قَالَهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ وَالْفُقَرَاءُ أَجَانِبُ لِلْمُتَصَدِّقِ وَأَقَارِبُ فَأَمَّا الْأَجَانِبُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الْأَقَارِبُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَلْزَمُ رَبُّ الْمَالِ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَضَرْبٌ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَهُمْ فَأَمَّا مَنْ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ بِأَصْلٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ أَوْ لَا يَكُونُونَ فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>